نبض البلد - فالحالة الصلبة هو مصطلح ظهر خلال ثورات الربيع العربي ، تشير بشكل واضح إلى أن البلاد التي تتمتع بحالة من الصلابة الداخلية ، وقوة في النظم الداخلية والأجهزة الأمنية والتماسك المجتمعي والإقتصادي هي مجتمعات صلبة ، بمعنى عصية على محاولة التغيير من خلال الثورة ، او التأثير الداخلي أو الخارجي على هذا المجتمع لأحداث ثورة ، وهنا قد تكون هذه الحالة إيجابية من جهة وسلبية من جهة أخرى .
الحالة السلبية ، هي ما نراه من محاولات الإستعمار الحديث بكل أشكاله من أحداث حالة صلبة في المجتمع ، بحيث يصبح الإستعمار حالة عصية على التغيير ، ويصبح في الوعي المجتمعي أن المقاومة عبثية لا فائدة منها ، وهذا نراه في كثير من الدعوات المشبوهة المرتبطة بالإستعمار ، وقد تكون هذه من جهات حليفة لهذا الإستعمار ظاهرا أو باطنا ، او من أبناء البلد المستعمر ( فتح العين ) نفسه ، وتأخذ هذه الدعوات أشكال مختلفة حسب وضع وحالة المقاومة في البلد ، فمثلا تصبح المقاطعة الإقتصادية التي نادى بها غاندي خطر حقيقي على الإستعمار والمتعاونين معه ، ويجب التخلص منها بكونها ظاهرة أو منه بكونه المسبب بأي شكل .
قبل تفشى هذه الحالة في المجتمع ، وأن تصبح هذه الحالة ظاهرة ، وهذا ما حدث مع عمر المختار في ليبيا والمقاومة في الجزائر ، بحيث تصدى مجموعة ممن يدعون التدين والعلم ، وقاموا باصدار فتاوى تخدم المحتل ، وتساهم في زيادة قوته وإستمراره .
وهنا أيضا ونتيجة للتشويش الواضح الذي يعتمده الإستعمار ، قد يقع أبناء الوطن المخلصون في مثل هذه الدعاوي ، ولذلك لا بد من التأكيد على خلق حالة عامة من الوعي .
وربط هذا الوعي بالوسائل والأهداف ، بحيث تتضح الرؤية النهائية من خلال الأهداف والنتائج ، وليس من خلال الأحداث اليومية المتفرقة ، والتي يغرق فيها صاحب الرأي كما يغرق فيها المواطن العادي ، ولا يستطيع التحكم والسيطرة والتحليل المنطقي والعلمي للخروج من واقع حالة التأثير التي تخلقها قوى الإستعمار المختلفة ، للسيطرة على الوعي المجتمعي وتوجيه هذا الوعي لخدمة مصالحها ، والتي تتضارب مع مصالح المجتمع في الأعم الأغلب ، ولذلك بدون خلق الوعي العام بأهداف ووسائل وطرق الإستعمار الغربي الحديث ، قد نقع مرة أخرى في حبائله دون أن ندري ، وقد يكون بعض المخلصين سلاح في يد الإستعمار الغربي الذي لم ينتهي في عالمنا العربي والاسلامي دون أن يشعر .
ولهذا أعود إلى صديقي د المسيري من جديد ، والذي كان يسعى بكل الوسائل والسبل إلى خلق أنماط تفكيرية وسلوكية ، تجعل الفعل والإنفعال منضبطان بقواعد ، تحدد هل هذا الفعل في مصلحة المجمتع أم لا ، ولذلك شدد رحمه الله ، على أن المجمتع الغربي والصهيونية ليسا مجتمعات مثالية خالية من السلبيات ، وتخضع لقوانين ونظم ثابته مطردة ، بحيث تكون إيجابية دائما ، ولكنها مجتمعات تعاني سلبيات كبيرة وخلل كبير ، ومن الممكن من خلال الفهم الصحيح والتنميط الصحيح الولوج إلى نقاط الخلل في هذه المجتمعات واحداث شروخ كبيرة فيها ، تؤثر على قوتها وقدرتها في السيطرة على شعوب العالم ، ومحاولة خلق اطار توجيهي معين بحيث تبقى هذه الشعوب في خدمة المشروع الغربي ، ويرى أن فكر المؤامرة والبروتوكولات تصب في هذه الخانة ، وأنه وان كان يوجد بعض مظاهره هنا وهناك ، ولكن لا يرقى لأن يصل إلى ذلك المستوى الذي يروج له البعض ، بحسن نية أو سوء نية أحيانا، لجعل المقاومة عبثية بدون نتيجة .
في المقابل الحالة الإيجابية ، هي التي تحرص المجتمعات الغربية على بقائها واستمرارها في مجتماعاتهم ، لانها تساهم في تصويب حركة المجتمع ، وتنقيه من الخبث والفساد والتسلط والسيطرة ، ولذلك تبقي هامش من السيطرة للإعلام والشعوب ، بحيث ترجع السياسة إلى هذه المحددات دائما ولا تملك السلطة المطلقة على الشعوب ، وهذا نوع من تصحيح الحركة .
ولكن لا يعني هذا بحال قوة مطلقة أو إيجابية مطلقة ، وكما اشار نعوم تشاومسكي ان هناك العديد من السلبيات في هذا النموذج ، وسبل كثيرة للسيطرة عليه سواء من خلال الاعلام او الحكومات ، لمحاولة كبح الحركة في المجتمع ، والسيطرة عليها لتحقيق أهداف الساسة بشكل رئيسي .
حقيقة أنا لا أتبنى وجود نظرية مؤامرة كونية ، وان كان اصحاب هذه النظرية يعتمدون على الكثير من المفاصل ، التي اجدها واقعية وتحتاج إلى تفسير وتأطير وتنميط للوصول إلى حقيقتها ، ولكن ما يحدث مع هؤلاء هو تماما ما يحدث مع أولئك الذين يؤمنون بوجود عناصر فضائية بيننا ، هي السبب في كل الظواهر غير المفهومة ، حتى وجود عجائب الدنيا السبعة كان بسببهم ، فهم من بنى الأهرامات ، وساهم في نقل البشرية مراحل ، وهذا حقيقة أراه تماما يشابه فكر أولئك الذين يتبنون نظرية المؤامرة الكونية في كل شيء .
اما الحالة السائلة فهي تلك الحالة التي تكون فيها المجتمعات غير متماسكة ولا صلبة ، وتحتوي على عدد من العناصر التي تؤدي إلى حدوث قلاقل وثورات في هذه البلدان ، نتيجة للوضع السياسي والإقتصادي والإجتماعي ، وضعف الأجهزة الأمنية وعدم قدرتها على التماشي أو التماهي مع حالة البلد .
وهنا أود أن أشير بوضوح إلى أن القوة والسيطرة ليست هي الطريقة الوحيدة في التعامل مع المجتمعات ، والمحافظة على إستقرارها ، وخذ ما حدث في رومانيا وتونس وليبيا ، مع صلابة الأجهزة الأمنية من جهة ، وعدم صلابة المجتمع الإقتصادية والإجتماعية من الجهة الأخرى .
ولذلك لا بد من صلابة في المجتمع بشكل كامل حتى ينتقل المجتمع من الحالة السائلة بدرجاتها إلى الحالة الصلبة بدرجاتها أيضا .
وهنا أيضا لا بد من الإشارة إلى أن هذه الحالة تخضع تماما لما تخضع له السيولة والصلابة في الطبيعة ، بحيث تكون المرحلة السائلة ، هي سائلة على درجات ولنأخذ مثلا مقياس من عشرة ، حسب المعطيات المجتمع الاقتصادية والاجتماعية والامنية .
ومن الممكن أن يتصدر باحثون لوضع تصنيفات لهذه الحالة من السيولة أو الصلابة ، بحيث تكون أكثر وضوحا في ذهن متخذي القرارمن جهة ، والمهتمين بالشأن الإجتماعي والسياسي والاقتصادي أيضا من جهة أخرى.
محاولة للفهم .
ابراهيم ابو حويله ...