في اليوبيل الفضي....نظرية تحويل المنعطف إلى منطلق فى المملكة الرابعة

نبض البلد -

·المسامحة والتسامح عناوين تميز بها النهج الهاشمي

·مناخات ديمقراطية ومساحة حرية وايقونة فى الامان

·خطط لحماية المجتمع من الاسقاطات الإقليمية وتقدم مظلة لجلب المنافع للشعب وتحصين الدولة من أجواء التعرية السياسية والتجوية الاقتصادية

د. حازم قشوع

يقسم اليوبيل الفضي في عهد جلالة الملك إلى مراحل سبعة تحمل كل منها جملة تحديات موضوعية واخرى ذاتية.. حيث عمل جلالة الملك للتعاطي مع كل واحدة منها عبر خطة ذاتية خاصة تحمل كل واحدة منها أداة رادعة واخرى رافعة تقوم على حماية المجتمع من مغبة الاسقاطات الإقليمية وتقدم مظلة سياسية قادرة على جلب المنافع للشعب الاردني، هذا إضافة لمسألة تحصين الدولة بكل مؤسساتها من أجواء التعرية السياسية والتجوية الاقتصادية التي غالبا ما كانت مصاحبة لرياح التغيير التي تجتاح المنطقة.

منذ ان استلم الملك عبدالله الثاني سلطاته الدستورية دخلت المنطقة بأجواء حرب العراق حتى انهيار نظام البعث الحاكم عام 2004 وهو ما جعل من الأردن يعيش بأجواء رياح عاصفة حملت معها تحديات عسكرية وأمنية وحراك شعبي عربي وآخر محلي جعل من المناخات ضبابية والحالة المعيشية صعبة، وفي وسط هذه الأجواء برزت قدرة الملك عبدالله على التعاطي مع هذا المنعطف الصعب الذي ألم بالأردن والمنطقة الأمر الذي جعله يشكل حالة ردعية احترازية بحيث تكون قادرة على تحويل هذا المنعطف الخطير الى منطلق قويم وجعل من اسقاطاته أن تكون خير ونعيم على الأردن عندما راحت تشكل واحة أمان للشعب العراقي وترسم صوره طبيعيه للتلاحم الاردني العربي فى المعيشة الحياتية.

وهو ما جعل من الأردن يشكل للشعب العراقي مظلة دافئة بعنوان واحة أمان تعمل على وقايته من آثار الاحتلال الأمريكي للعراق، وتعمل على فتح أجواء معيشية له الأمر الذي عكس ايجابا على الأردن واقتصاده وجعل من هذا العنوان يشكل حالة انتعاش في أسواق العقارات والأسواق المالية وغيرها من المجالات الاقتصادية بروافدها المتعدده، وهى الصورة التى أراد أن يرسمها جلالة الملك من تحويل هذا المنعطف إلى منطلق بثبات قادر أن يحتوي الأزمة وباناه ذاتية عامله على بيان الاحتواء.

أما "المنعطف الثاني" فلقد حملته أزمة الاقتصاد العالمي في عام 2009 وهي ما جعلت من الملك عبدالله يرسم صورة احترازية أخرى تقوم على حماية الدينار الاردني عبر تعزيز ربطه بالدولار الأمريكي عندما قام على تحصين الموجودات المالية عبر سياسة تأمين وقائية استطاع عبرها من تحصين النقد الأردني وإعادة ترسيم القروض وتحويلها من خارجية ضاغطة الى داخليه داعمة وذلك عبر سياسة نقدية سليمة استطاعت أن تحقق الجمله الاحترازية بشكل دقيق وتعيد بناء مستقرات المراكز المالية بشكل حصيف.

كما ذهب تجاه تعزيز قوام الروافع الاقتصادية بتنوع حواملها الخدماتية لتكون سياحية تحوي مسارات علاجية وتعليميه وترفيهية اضافة الى المعرفية والتاريخية التى يقف عليها الإرث الحضاري الذي حمله الأردن تجاه الإنسانية، وهو الفسحة التي جعلت من الملك عبدالله يقوم على تطوير البنية التحتية في عمان العاصمة وبناء بنية تحتية بالعقبه الاقتصاديه تجسد المخطط الشمولي الذي أعده لها وكما تعمل لاعادة بناء حوض البحر الميت ودعم عجلة البنية التحتية في اربد والزرقاء والعمل على تطوير معان من شريان وادي موسى حيث البتراء وتطوير المنظومة السياحية في عجلون وإعادة إعمار البلقاء من مركز إعمار السلط.

كما عملت هذه العملية التطويرية لتكون فى حاضرة الكرك حيث بوابة القدس الجنوبية عندما قامت بتوسيع المدينة وتطوير جوانب المحافظة في المجالات كافة ومن الطفيلة ايضا من مركز تطوير وسط المدينة ومن المفرق التي ارتفع عدد ساكنيها من حوالى مائة الف الى ما يقارب المليون مع تدفق حركة اللجوء السوري إليها مما زاد ميزان التنمية في ربوعها في الجوانب الزراعية، هذا إضافة لمدينة جرش التي أخذت بالتوسع بشكل غير مسبوق وأخذ ميزان التنمية فيها يرتفع الى مستويات عليا هذا اضافة الى مسارات تشييد مطارات في عمان والعقبة وتطوير البنية التحتية فى مجالات الاتصالات والمياه عبر جر مياه الديسي وتطوير الشبكات الناقلة اضافة الى تطوير البنية التحتية في البوابات الحدودية بما مكن الاردن لتكون حاضنة استثمارية مميزة.

أما "المنعطف الثالث" فلقد حملته فترة الربيع العربي التي جاءت برياح تغيير عاصفة طالت معظم المجتمعات العربية، عندما تعامل الأردن مع هذه المرحلة وفق جمل احتوائيه احترازية عملت على تحويل هذا المنعطف الى منطلق بإطلاق استراتيجية أمنية تعتمد على الامن الناعم (الاحتوائي) وعملت على تعديل ثلثي الدستور بناءا على رؤية ملكية ليكون أكثر انسجاما مع المعطى كما يحمل حالة استجابة لرياح الربيع العربي محققا بذلك ما نادت به الأصوات الاردنية من اجل توسيع حجم المشاركة الشعبية وتعزيز قيم المواطنة.

كما حملت هذه الفتره ايضا أطلاق الملك عبدالله لاوراقه النقاشيه التى شكلت رؤيه جلاله الملك لايجاد استراتيجيه عمل للدوله الاردنيه ليتم تجسيد رؤيته عبر رساله تحمل اليات ووسائل تقوم على تحديد اهدافها ببيان الغايات من "اجل اردن افضل" وهو الاردن الذى يحوى صفات المجتمعات المتقدمه بعلامات خمسه يقوم قوامها على المجتمع المدنى الذى يسوده سياده القانون فى المقام الاول ؛ ويحمل نهجه السياسي منهجية سياسية تقوم على التعددية الحزبيه للوصول للحكومات النيابية الحزبيه فى المقام الثانى ؛ ويستند نظامه الادارى الى الحكم المحلي القائم على اللامركزيه فى المقام الثالث؛ حيث تنتقل الحاله التعليميه من ارضيه التعليم التقليدي الى مكانه التعلم المعرفي للمواكبه العصريه فى المقام الرابع؛ وكما تنتقل البيئة الاقتصاديه من منزلة الاقتصاد الرعوي الى مكانه الاقتصاد الانتاجي بكل عناوينه وثقافته من اجل تحويل منهجيه العمل من ما تقوم عليه الاردن بالثقافه الاقتصاديه من دولة سكن الى دوله عمل، وهى الموضوعات التى كنت قد تناولها فى كتبي التى حملت عناوين (الاوراق الملكيه رؤيه استراتيجية) وما تلاها من كتاب حمل عنوان (شرعيه الانجاز والحياة السياسيه) وما تناولتها فى كتابي الثالث تحت عنوان (رسالة أمة فى وطن) والتى بينت فيها الرؤيه الملكيه وما تناولته من منهجيه فكريه يقف عليها الملك عبدالله فى تحويل المنعطفات الى منطلقات، وهو ما جعلها تعد نظريه معرفيه فى العمل السياسي يمكنها ان تشكل صوره تحليلية لكيفية التعامل مع القضايا الموضوعيه ضمن جمل استراتيجية تقوم على تعزيز قوام العامل الذاتي من باب تحقيق الاهداف المرجوة.

واما "المنعطف الرابع" فلقد حملته مسألة بروز ظاهرة الإرهاب وما حملته من تحديات جسام عملت على تكوين مخاطر حدودية واخرى أمنية إضافة لما حملته من تحدى فى الحالة الإنسانية، وهو ما جعل من الملك عبدالله يرسم صورة احترازية استدراكية تقوم على احتواء هذا المتغير الموضوعي ضمن خطوات أمنية وعسكرية جعلت من الأردن يصبح "واحة للأمان" وجعلته مقصد للسياسيين الدوليين في تجوالهم وجلب اعجابهم بمسألة الإعجاز الأردني في كيفية تعاطيه مع هذا المنعطف الخطير على الرغم من محدودية موارده الطبيعية والاقتصادية،.

فكان أن شكل الاردن جمل احترازية وأخرى استدراكية وضعته في مكانه الدول التي أصبح فيها الملك عبدالله المحارب الأول ضد الإرهاب والمدافع البارز عن القيم الإنسانية التي أبرزها مع استضافته لأكثر من 1.3 مليون لاجئ سوري خلال فترة وجيزة، وهو ما حمل الأردن لتكون الدولة الأكثر استيعابا لحركة اللجوء الانساني نسبة لعدد السكان، هذا إضافة لقدرته على التعاطي العسكري والأمني مع هذه المرحلة بكل تفاصيلها.

فكان أن عمد الملك عبدالله لتعزيز قوام المؤسسة العسكرية وتجهيزاتها وتطوير قدراتها لتكون نموذج يحتذى به من الانضباط والجاهزية عبر مشاركتها في المناورات العسكرية العالمية والإقليمية وبرامج الأسد المتأهب حتى غدت الاردن مركزا إقليميا للتدريب الامنى والعسكرى، كما عمل على تعزيز قوام المؤسسة الأمنية وتمكينها لتكون الأولى إقليميا فى مجالات الاستخبارات والاستقصاء والتتبع الميداني والافتراضي، اضافة الى برامج دمج قوات الدرك والدفاع المدني بالأمن العام لتكون موحدة متجانسة في مرجعيتها وقوامها بما يجعلها قادرة على التعاطي مع التحديات الإقليمية التي ترسلها رياح التغيير في المنطقة الأمر الذي جعل الاردن يجسد واحة الأمن والأمان للمنطقة بشهادة اقليميه ودوليه مع تمكين الاردن عسكريا بانجاز الشراكة العسكرية مع الولايات المتحدة.

أما "المنعطف الخامس" فلقد شكله دخول العالم بأجواء الوباء، وما حمله هذا التحدي من معطى جعله يشكل التحدي الأبرز ليس فقط من الناحيه الامنيه والاقتصاديه فحسب بل ومن الناحية الصحية لما حمله هذا الفيروس المميت من أجواء عاصفة قامت على تجميد منظومة الحركة الكونية من كل النشاطات الطبيعية للإنسان، وما حملت من أجواء صعبة كان لا بد من التعاطي معها بهدوء يقوم على توفير المخزون الغذائي والدوائي عبر استراتيجيات عمل عسكري عملت على عزل الأفراد في مساكنهم ومن أجل تقليل ميزان الحركة الاجتماعية وتحصين المجتمع بالطرق التقليدية إلى حين استطاع العالم من اكتشاف المطعوم الوقائي والتعاطي العلاجي محافظا بذلك على السلامه الصحيه.

وهو ما تطلب بناء مستشفيات بأوقات قياسية، وتخصيص غرفة محصنة قادرة على التعاطي مع هذه الأزمة التى كانت قاسية لدرجة كبيرة، لكن الملك عبدالله استطاع بناء "الجيش الأبيض" ومأسسة غرفة مركزية لإدارة الأزمات تعزز قوام المؤسسة العسكرية والأمنية وتدعم برامج عملها في الجانب الاستدراكي كما عمل الملك عبدالله على إيجاد مخصصات من الموازنة العامة للدولة تقوم على دعم الشركات المتعثرة ودعم موجوداتها حتى يتنسى لها من الاستدامة والادامة.

"المنعطف السادس" شكلته ازمة التعاطي مع تحدي صفقة القرن بكل تداعياتها والتى رفضها الأردن عندما بينت لاءات الملك عبدالله في الزرقاء أهمية المحتوى السياسي والقيمي الذي يقف عليه النظام الهاشمي من مبدئية سياسية تجاه القضية الفلسطينية، وما تعنيه هذه القضية فى الدائره الوطنية والقومية، وهو ما جعل النظام الهاشمي يدفع ثمن مباشر طال وحده أسرته نتيجة التدخلات التي أرادت أن تعصف بوحدته الوطنية ونسيجه الاجتماعي التي تبينها مؤسسة العرش، وهو ما جعل من جلالة الملك يقوم على حصر الامور وحوصلتها ضمن إطار مبين وعبر حواضن اجتماعية داعمة عملت على الالتفاف حول العرش من أجل حمايته والذود عنه سيما وأنه يشكل عند كل الاردنيين عنوان وحدة وتاج عزة وبوابة فخر وافتخار بالسلالة الهاشمية المصطفوية.

وأما "المنعطف السابع" فلقد جاء من حرب غزة وهى الحرب التى ذهبت لتصفية القضية الفلسطينية كما هى الازمة التي كان يراد منها إعادة بناء جغرافيا جديدة إقليمية عبر وسائل التهجير بالترويع تقوم على مسالة التغيير الديموغرافي لاعادة بناء قوام مجتمعات المنطقة وتعمل على بناء حواضن جغرافية تقوم على الاثنية والمذهبية، وهو ما تصدى له الأردن عبر جمل دبلوماسية وأخرى أمنية وإنسانية عملت على إعطاء غطاء سياسي للمقاومة الفلسطينية كما عملت على ابتكار وسيلة للإغاثة الجوية التي باتت تشكل نموذج كما سعت وما زالت تقوم من اجل وحدة الصف العربي ليكون داعما لفلسطين القضية حتى تنال التحرر بعنوان الاستقلال، ومازال الأردن يقوم بكل دور ممكن بالاتجاه الذي يحافظ على وحدة بيت القرار الفلسطيني ويسانده بالدعم حتى يتحقق ما تصبو إليه من آمال بالاعتراف بالدولة والاستقلال.

ولم يكتفى الملك عبدالله بسياسة تحويل المنعطف إلى منطلق التى ميزته كما امتاز عنوان نظامه ب "التسامح" طيلة فترة حكمه فذهب جلالة الملك لإصدار عفوا عاما بمعدل كل أربع سنوات مرة للتأكيد على منهجية المسامحة وعنوان التسامح التى تميز به النهج الهاشمي عن غيره من الأنظمة، كما عمل جلالة الملك على تحصين حالة الحريات في البلاد وتعزيز مناخات الديمقراطية التعددية فيها من خلال حفاظه على مساحة الحرية لتبقى عند عنان السماء كما عمل على المحافظة طيلة فترة اليوبيل الفضي على إدامة الانتخابات في البلاد على الرغم من كثرة التحديات الإقليمية لعقد الانتخابات فى كل مستوياتها البلدية منها و المحلية والنيابية بصورة ميزت الاردن بالطابع والمضمون باعتباره بلد التعددية والحرية والديمقراطية النيابية، وهو ما جعل من الأردن يصبح ايقونة فى الامان كما يغدو نموذج بالديمقراطية في منطقة تفتقر لهذا النموذج وهذه السمة.

ان الشعب الاردني وهو يحتفل باليوبيل الفضي لجلالة الملك إنما يستذكر كل هذه المحطات التى ألمت بالاردن لكنها لم تنل من عزيمة مواصلة مسيرته القيمية تجاه الإنسانية التي تأتي من موروثه الحضاري للمنطلقة من رسالة مهد الحضارات والممكنة لمسيرته التحديثية والتطويرية التي عملت على تحصين المكتسبات وزيادة الانجازات لإعلاء صروح الوطن في كل المناحي والمجالات والأردن وهو يستقبل أعياد اليوبيل بعز وفخار لحسن ادارة قيادته إنما ليؤكد صدق ثناؤه لهذه المجهودات التي قدمها نظامه من اجل حماية موروثه وتطوير مقدراته ليبقى بلد النشامى يرفل بالعز فى كنف الملك المعزز وولى عهده الأمين...