تجربة طبيب وجراح أردني أميركي في المستشفى الأوروبي في غزة

نبض البلد -

د. أيوب أبودية

خاطبني أخصائي العظام الدكتور عبدالله غالي الذي كان أحد تلامذتي في مدارس كامبريدج بعمان عن تجربته في معالجة المرضى والمصابين في المستشفى الأوروبي في غزة قائلا انه واعضاء فريقه واجهوا ظروفًا إنسانية صعبة، حيث كشفت تجربتهم عن إصابات و ضحايا من المدنيين في القطاع جلهم من الاطفال بعد ان لجأوا إلى المستشفى هاجرين بيوتهم التي قُصفت ودمرت، ولم يستطيعوا القيام بواجباتهم لشح الامكانات وتعقيد الاصابات.اذ يقول:

 
‎كانت مهمتنا هي توفير الرعاية اللازمة والعمليات المستعجلة للمرضى واصابات العظام
‎إلى جانب دعم السكان المحيطين بنا صحيا وعاطفيا
‎ووفقاً لتقارير حديثة تم التحقق منها من مصادر موثوقة، بما في ذلك مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية واللجنة الدولية للصليب الأحمر، فقد وصل عدد القتلى المدنيين في غزة إلى مستويات غير مسبوقة غالبيتهم من النساء والاطفال
‎وقد شهدنا إصابات معقدة مختلفة في صفوف النساء والأطفال، بما في ذلك اثار هجمات القناصين، وحاولنا اخراج الشظايا العالقة في الأجساد اليانعة ومعالجة الحروق الشديدة، وتجبير الكسور الصعبة التي لم يتم معالجتها لأشهر، فعانى اصحابها من
‎ البتر و الالتهابات، بالإضافة إلى إصابات عنيفة أخرى يصعب وصفها.
ويعتصرك الالم لمعرفتك أن من يتعامل مع هكذا إصابات التي ربما تكون أسوأ بكثير من أصابات الجنود في الحرب العالمية الثانية، وان من يتعامل مع هذه الإصابات المعقدة والشريرة هو نظام صحي يخضع للحصار ومتهالك بفعل قلة الموارد الطبية و قلة الطواقم الطبية وخدمات الاسعاف الذين قتل الكثير منهم أثناء هذه الحرب الحاقدة

‎يعتبر مستشفى غزة الأوروبي بمثابة مركز الإحالة الوحيد المتبقي، وقد صدمنا عندما اكتشفنا أن ما يقرب من 35,000 لاجئ يعيشون في خيام داخل و خارج مباني المستشفى.
‎ويواجه هؤلاء اللاجئون، وعشرات الآلاف من الأشخاص غيرهم من الذين لجأوا الى أراضي حول المستشفيات طلبا للامان، والذين نزحوا بسبب الحرب، ظروفًا معيشية قاسية محدودة الوصول إلى الضروريات الأساسية مثل الغذاء والماء والمأوى و العلاج و النظافة الصحية. والكهرباء والرعاية النفسية
‎وأدى ضعف حصول المرضى على التغذية الكافية، إلى جانب نقص الأدوات الجراحية اللازمة، والمضادات الحيوية، وانقضاء فترات زمنية طويلة على الجروح بلا علاج، فضلا عن الظروف المعيشية البائسة والرعب المستمر، إلى ارتفاع معدل الالتهابات و الأمراض المعدية و تعاظم خطورة الإصابات بشكل غير مسبوق في تاريخ القطاع
‎كان بعض المرضى يعانون من كسور شديدة، وتشوهات في الأطراف، وحالات عضلية هيكلية مزمنة، والتي تفاقم الكثير منها بسبب تأخير العلاج أو عدم كفاية العلاج.
والدواء وأدى إلى البتر.
‎فهنالك العديد من الحالات يكون علاجها أفضل بكثير في الأسبوع الأول بدلًا من بعد شهر.او اكثر
‎لان توفر العلاج في غزة صعب ، وليس حتى بالصعب، بل شبه مستحيل.
 
‎فالماء والغذاء معدومان، والمعدات متهالكة لا تكفي لتُجدي نفعًا، والكثير من الأمور التي يصعب تخيلها.
‎ومن المشاهد التي لم نرها من قبل وربما لن نراها إلا في غزة
‎مشاهدٌ تُدمي القلب وتفطر الفؤاد فمثلا عالجنا
‎مريضا عمره 8 سنوات يعاني من وجود شظية كبيرة مكثت في فخده منذ شهر نوفمبر العام الماضي و لم يستطع الطفل أن يمشي بسبب الألم، ولعدم توفر المعدات الطبية اللازمة جعلنا هذا الطفل من مؤجلي العلاج، وهو واحد من عشرات الآلاف الذين ما زالوا ينتظرون حتى يأتي دورهم للعلاج ..
 
‎ومريض اخر اضطررنا لبتر يديه من شدة الالتهاب ولبطء تلقي العلاج هناك.. بفعل شح المعدات والأدوية.
 
‎ومريض اخر مصاب بالعمود الفقري وقد تعرض للشلل ولم يجد كرسيا يجلس عليه إلا كرسيا متهالكا من دون عجلة.
 
‎وقابلنا اطفالا من شدة الألم كانوا يتمنون الموت..
 
‎وهناك اطفال كانوا يبحثون عن من يُعالجهم ويداويهم ولم يجدوا أهلا لهم او اقرباء لهم لمواساتهم، فقد فقدوهم جميعا.

 

‎فما ذنب هؤلاء الأطفال

!!
 
‎ومن أصعب المشاهد قسوة ، كانت لام تحمل أشلاء إبنها ، وكانت تطلب من الأطباء ترميم الأعضاء كي يعيش ابنها. وكانت تقول: (بتقدر ترجعلي ابني) .
 
‎إن تجربتنا في مستشفى غزة الأوروبي تؤكد الحاجة الملحة للتضامن والدعم الدولي لتخفيف معاناة المرضى في غزة. ومن خلال الدفاع عن حقوق جميع الأفراد في الحصول على رعاية جيدة ، بغض النظر عن ظروفهم، يجب علينا كأطباء أن نسعى كي لا يُترك أي مريض من دون علاج ورعاية
 
‎وفي الختام، اقول ان أزمة العلاج الطبي والأزمة الإنسانية الكارثية السائدة في قطاع غزة تتطلب إهتمامًا وعملا فوريا من المجتمع الدولي. ومن خلال التضامن العالمي في مواجهة الجرائم والابادة الجماعية التي ترتكب في غزة وباقي المناطق الفلسطينية المحتلة لا بد أن يقوم كل منا بواجبه الإنساني. والاخلاقي بوصفنا بشرا