نبض البلد - كريستين حنا نصر
يتأثر واقع المرأة عادة بالتطورات والتغيرات المرتبطة بالنواحي الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والثقافية في المجتمعات التي تعيش فيها، بما في ذلك مسألة مهمة وهي الاستقرار والأمن، وبالنظر للبيئة العامة للبلدان العربية نجد أن هناك حالة مضطربة سمتها الحروب المشتعلة على اختلافها بما فيها العرقية والطائفية، إلى جانب مرحلة ما يُسمى بالربيع العربي وما رافقها من قضايا متصلة بالمرأة مثل النزوح واللجوء الانساني، كذلك تراجع قضية النظر في مأسسة ومراجعة التشريعات الناظمة لشؤون المرأة، خاصة في ظل غياب عمل الدول بالدساتير على اثر الحالة الأمنية الدائرة في بعض البلدان، من هنا وبعد هذه المراحل التاريخية القريبين العهد بها، يكون السؤال هل حصلت المرأة على حقها بالعدالة والمساواة؟، وهل توفرت لها الأسس اللازمة بغية تمكينها اقتصادياً وسياسياً واجتماعياً وتنموياً بشكل عام؟.
وبكل موضوعية فإن المرأة في البلدان العربية وعلى الرغم من بعض النجاحات والتقدم المحرز في بعض المجالات خاصة في البلدان التي يتوفر فيها مناخ الأمن والاستقرار ومن ذلك الأردن كأنموذج متقدم عن غيره في حقوق وتمكين المرأة، الا أن المرأة في الشرق الأوسط والبلدان العربية على وجه التحديد، ما تزال حتى يومنا تواجه العديد من التحديات، وفي مقدمتها ملف التشريعات والقوانين المعنية بالمرأة، حيث لا توجد في بعضها تشريعات حقيقية فاعلة وشاملة، مما جعل المرأة تعاني حالة من الاجحاف والنقص في حقوقها السياسية والاقتصادية والاجتماعية والتي باتت مهضومة عملياً ومن ذلك موضوع الميراث.
ومن الناحية الاجتماعية فان مستوى الثقافة والوعي الاجتماعي لدى الرجال، يدل على أنه ما زال يُنظر للمرأة وحقوقها بدرجة متدنية، فلا يؤمن البعض منهم بحق مشاركة المرأة بالحياة السياسية، الى جانب اخرين يفضلون بقاء المرأة بالبيت فقط للقيام بواجبات روتينية منزلية، وتتعزز هذه النظرة عند مسألة حقها بالميراث، الأمر الذي يكون سببه عدم الايمان مطلقاً باهمية مشاركتها في التنمية المستدامة التي تسعى لها الدول والمجتمعات المعاصرة، وبنفس الاتجاه نجد المرأة نفسها تحارب المرأة، خاصة في حال التنافس في مجال العمل نفسه، حيث تتحول المنافسة إلى حالة من الكراهية والعداء ومحاربة النجاح والتقدم للتفرد بالمكاسب، وهذا الواقع لا ينفصل عن البيئة العائلية او الاسرية لبعض النساء، هذه البيئة التي تمنعها من الحصول على الميراث والتعليم وحتى فرصة العمل خارج نطاق المنزل.
ان واقع التشريعات العربية في مجال الحقوق ليست بمستوى غيرها من التشريعات المعمول بها في العالم المعاصر، علماً بأن العقائد والعادات والتقاليد في البلدان العربية كانت سباقة على العالم الغربي، ولكن للاسف اليوم تأخرنا عنهم كثيراً، فمع التطور الاقتصادي والاستثماري العالمي، الا أن المرأة العربية غير قادرة على دخول هذا المضمار المهم، فلا تستطيع كل امرأة عربية طموحة الحصول على فرصة حقيقية للاستثمار واقامة المشاريع إما بسبب عدم تمكينها مالياً أو نقص وضعف التشريعات في هذا الاتجاه، وينطبق على ذلك واقع المرأة العربية وما تعانيه من اقصاء ثقافي في مجالات الصحافة والاعلام وذلك لمجرد تفوقها او اتخاذها لمسار ثقافي قد لا يعجب الآخرين، الامر الذي سيجعل سمعتها ومكانتها موضع نقد وتجريح للأسف.
وبالنسبة لواقع المرأة في الاردن فمع مسيرة الاصلاح السياسي والاقتصادي والاجتماعي الشاملة، والتي جاءت بتوجيهات ملكية سامية، فقد نجحت المرأة في الحصول على الكثير من الاستحقاقات في المشاركة السياسية وبنسبة تزيد عن 30%، وعزز ذلك التقدم حالة الاستقرار والامن التي ننعم بها، ولكن تبقى بعض الملفات الحقوقية للمرأة العربية موضع نظر وتحتاج لمعاينة بشكل اكبر، وبالاخص ملف الميراث وحق الزوجة بعد الطلاق، ففي حال طلاقها تكون هناك حاجة لحصولها على حقوق اضافية لم تقر بها التشريعات، خاصة حقوقها المترتبة على مسيرة اسرية طويلة تتضمن مشاركتها ومساهمتها خلالها في بناء ما يمكن تسميته باقتصاد الاسرة ومواردها المالية، وهذا امر يحتاج لاعادة نظر تشريعية شاملة منصفة.
واليوم ونحن نحتفل بمايسمى عيد الأم، هذه الام التي تواجه المأساة والمعاناة والظلم في العديد من المجتمعات على اثر النزاعات والحروب في فلسطين وسوريا وليبيا والسودان وغيرها، فأننا نجد من الانصاف نصرتها بتشريعات وانظمة تعيد لها حقوقها وتمكنها من المشاركة بكل قوة في التنمية المستدامة، لذا فان المسؤولية مناطة اليوم بالمؤسسات الدينية بما فيها الكنائس والمساجد والمؤسسات التعليمية والثقافية والاعلامية للتوعية بحقوقها، اضافة الى حاجتنا الحقيقية لمراجعة التشريعات واعادة ضبطها ومعالجة بعض الجوانب القانونية فيها والاهم ضمان تطبيق وتنفيذ القوانين والتشريعات المعنية بالمرأة، فكل عام والأم وكل إمرأة عربية تحظى بوعي ثقافي وتشريعات توفر لها العدالة والتمكين المأمول.