نبض البلد -
يقف اليوم النظام العالمي بما يحوي من منظمات وجامعات ودول ومؤسسات كبرى عاجزا عن تحقيق العدالة والمساواة لأبناء هذا الكوكب ، وعلى أن يكون على مسافة واحدة من الجميع ، لقد ضربت الحرب الإخيرة هذا النظام في مقتل كبير ، فهو لن يستطيع الدفاع عن نفسه تحت وطأة هذه الحقائق التي تهز كيانه وقيمه ومؤسساته يوما بعد يوم ، وتعريه وتعري الحقائق والقيم التي كان ينادي بها ، فما يقبله هنا ليس ما يقبله هناك ، وما هو مسموح هنا ليس هو المسموح هناك ، وتحت وطأة الضربات المتتالية التي تتلقها هذه المؤسسات وهذه الدول الإستعمارية ، اضطرت لتغيير خطابها الإعلامي ومفرداتها وما تعتبره مقبولا على المستوى الرسمي ، هو غير ما تعتبره مقبولا في الحقيقة ، وقد أصبح الأمر ظاهرا للجميع ، ومع أنها في الحقيقة هي من تقوم بهذه الأعمال والتجاوزات وتساعد وتدعم وتأمن الوسائل والإسلحة والدعم المادي والسياسي لكل هذه التجاوزات التي يراها العالم أجمع.
وهنا تتداعى مرة أخرى أصوات مختلفة من هنا وهناك لإعادة النظر وصياغة القيم التي تشكل أساسا واحدا عادلا ومقبولا لكل البشر على إختلاف اجناسهم والوانهم ومعادنهم ، وكما قال مالكوم اكس عن الإسلام بأنه نظام يمتاز بعمى الألوان فلا يميز لونا على لون ولا فئة على فئة ، هذه العنصرية البغيضة التي تجعل فئة فوق فئة ، وتمارس العنصرية والفصل العنصري بأسوء صوره على البشر بناء على مناطقهم ودياناتهم وألوانهم ليست موجودة في هذا الدين ولا من ضمن مفرادته ، فلا جين يميز قرد عن قرد ، ولا إنسانا عن إنسان .
سقوط الحضارة الغربية في هذه الحرب سيكون له ما بعده ، فهذه الفئات التي تراقب وتسجل وتحاسب ، من شعوب الأرض المختلفة كفرت بهذا النظام وعدالته وقيمه ، وسيكون هناك سعي حثيث لنظام قيمي جديد قادر على احقاق العدالة والمساواة بين البشر ، طبعا ستسعى الدول الغربية وعلى رأسها الولايات المتحدة لمحاربة أو احتواء هذه التحركات عبر تعديل هنا وتصريح هناك ، ولكن الحقيقة التي وعتها الشعوب المسلمة وغير المسلمة ، وحتى من نفس ابناء هذه المجتمعات بأن هذه النظام العالمي القائم اليوم هو نظام قائم على مفهوم عنصري يمارس الفصل العنصري والتمييز الواضح ضد الأخر ، وهذا ما يعتبر مرفوضا من الأخر ، وممن يسعى للعدالة من أبناء هذه المجتمعات .
نعم يحدث السحر أحيانا بطريقة عجيبة ، فهذا العربي القابع في جزيرة العرب يبحث عن قوت انعامه أصبح مُلهما وملهِما وصانعا للحضارة ، وأصبحت إمبراطوريات العالم تخشاه وتخشى صحوته وسطوته ، وقد كان ألف رجلا من الفرس أو الروم يفعلون العجب في العرب ، فاصبح ألف رجل من العرب يفعلون العجب في الروم والفرس وكل الجزيرة ، هل هي تلك الروح التي تغيرت ، هل هو ذلك القائد الذي تغير ، هل هو هذا الدين العجيب الذي صنع الحضارة في تلك النفوس البدائية البسيطة فأصبحت قوة ضاربة وسطوة ودولة وحضارة وأمة .
هل هي نفسها تلك الشعوب التي كانت تائهة في الصحراء السيبيرية تسعى وراء رزقها ورزق خيولها وجواميسها ، هي تلك التي شكلها هولاكو لتكون رأس الحربة القاتل ، تلك القوة التي قتلت ملايين البشر وحملت حضارتها وكنوزها إلى صحرائها ، بل إحتلت قصور وعواصمها وأهلكت أمم وحضارات أخرى وانتشرت في كل الأرض ، نعم لم تستطع تلك الفئة أن تستوعب وتهضم وتزيل كل تلك الحضارات التي أحتلتها وهل كان المغول المسلمين الذين حكموا شبه القارة الهندية قرونا طويلة إلا من نسل تلك الفئة ، ، فهناك حضارات إندثرت وهناك حضارات بقيت .
هل هو نفسه ذلك الألماني الذي عجز الحضارة الرومانية ببربرية سلوكه وفظاظته ، هو نفسه الذي جلب الدمار لأوروبا وروسيا ولنفسه أيضا ، ولكن كيف إستطاع رجل مثل هتلر قيادة هذه الفئة وتشكيلها وتوظيف قدراتها وصناعاتها وعلمها وعلومها ومالها لتكون قوة دمار شامل في حربين طاحنتين عالميتين ، نعم كان هنا شيء قبل هذا القائد ، ولكن هذا الشيء خبت وضعف وكاد يذهب تحت الرماد ، ولكن ما لبث أن تم تشكيل هذه الاموال وهؤلاء العلماء في تشكيلات صنعت الدمار للبشرية ، وما زالت أثار صناعاتهم قائمة ، فهم من صنع الصواريخ التي تحمل الرؤوس النووية والمتفجرة ، وكان لهم دور في تطوير قطاع الطيران حتى وصل إلى هذه المرحلة ، وهم من صنعوا القنبلة النووية ، وهم من ساهم في نقل الصناعة والتكنولوجيا وحتى الكيمياء مراحل لأمام ، هذا الشعب أخاف ويخيف من حوله ، فقد تداعت دول الحلفاء وحسب خطة مارشال لـتوحيد المانيا خوفا منها ، وتوقفت عن تقسيمه بين خمسة دول كما كان مخططا خوفا من عودته مرة أخرى بحرب شاملة تأكل الأخضر واليابس.
إذا هناك شعوب بسيطة بدائية إستطاع دين أو قائد أو فكر إعادة تشكيلها وصناعتها صناعة جديدة ، وهناك شعوب فيها جذوة من الحضارة والعلوم والصناعة ولكنها إحتاجت إلى ذلك القائد الذي وحد صفها ولم شملها وجمعها على هدف واحد ، قد يكون هذا الهدف سببا في هلاكها كما فعل هتلر ، وقد يكون سبب في إنتقالها من حالة إلى حالة كما فعل هولاكوا ،وقد يكون سببا في صناعة حضارة دامت لأكثر من ألف سنة كما فعل هذا الدين في الأمة العربية .
هؤلاء القادة لديهم مجموعة من الصفات ساهمت بذلك ، وهناك شعوب لا بد أن تتصف بجملة من الصفات حتى تصنع التغيير ، وما فعله الرسول صل الله عليه وسلم وكل الإنبياء الذين سبقوه ، هو تشكيل تلك الفئة من الحواريين أو تلك الكمية من الملح التي تستطيع أن تؤثر فيمن حولها وتنقله مراحل في السلوك والأخلاق والفعل والإنفعال لصناعة حضارة أو أمة .
أما صفات القائد الناجح والتي تناولتها العديد من الأبحاث والكتب ، وسبب انجذاب الناس اليهم وانقيادهم لهم فهو جزء ، والجزء الأخر هو صناعة ذلك الإنسان الذي يستطيع نقل الإنسانية مراحل إلى الأمام ، ربما كان هذا هو الفرق بين القائد والنبي كما أدندن دائما .
ففي الأولى قد تجتمع مجموعة من البشر على أمر هو شر مطلق كما يحدث اليوم مع الكيان وعصاباته وداعميه ، وكما يحدث مع الدول الإستعمارية التوسعية أو الإحلالية وعلى رأسهم الولايات المتحدة ، وأخرى تجتمع على شر وخير كما يحدث عادة في هذه الدول التي تسعى لمكاسب ذاتية ولو على حساب غيرها ولكنها ليست ذات نزعة إستعمارية كما في الصين مثلا ، وأخرى تجتمع على أمر في مجمله خير ولا أقول كله خير كما حدث مع الدول التي نشأت على أسس دينية مثل المسيحية وقسطنطين والخلافة الإسلامية ، فهذا نشأت على أساس ديني وليس نفعي في البدايات ، ولكن سطوة رجال الدين والسياسة كانت أحيانا تحرف هذه الأمم عن مسارها ، وتخرجها عن هدفها .
هذا هو حال الأرض دول ودول ، قادة وقادة ، شعوب وشعوب ، وسعي حثيث للوصول إلى تلك التوليفة التي تساهم في خلق نوع من العدالة والمساواة والنظام الذي يضمن الحقوق للضعفاء ويحميهم من سطوة القوي وتحكمه ، أو أحيانا يخضعهم لسطوة القوي وتحكمه كما في أنظمة العالم اليوم .
هناك إرهاصات تحدث اليوم لن تمر مرورا عابرا وسيكون لها تأثير كبير على الأحداث القادمة سواء على مستوى الأمة أو العالم أجمع .
فهل نحسن نحن المسلمين صناعة الحدث وإستغلال الظروف أم سنبقى على هامش الأمم متأثرين بما يحدث منفعلين لا فاعلين .
إبراهيم أبو حويله ...