نبض البلد - كريستين حنا نصر
يرتبط الاحتفال بيوم مدينة عمّان في هذه الأيام، بذكرى وطنية مهمة وهي قدوم المغفور له جلالة الملك عبد الله الأول لمدينة عمان بتاريخ 2 اذار عام 1921م قادماً اليها من مدينة معان جنوباً، حيث إختارها جلالته لتكون المركز السياسي والاداري والاقتصادي لإمارة شرق الأردن عام 1921م، والتي عُرفت بعد الاستقلال عام 1946م بالمملكة الأردنية الهاشمية، ومن هذه العاصمة التاريخية الاستراتيجية كانت المسيرة الهاشمية بقيادة الاردن والمضي به قدما في مسار التطور، منذ عهد المغفور له الملك عبد الله الأول مروراً بعهد المغفور لهم جلالة الملك طلال بن عبد الله والملك الحسين بن طلال، واليوم تشكل المدينة الاصيلة منطلق النماء والتنمية والنهضة التي يقودها جلالة الملك عبد الله الثاني بن الحسين حفظه الله، حاملاً جلالته وبكل إخلاص رسالة النهضة العربية التي اعلنها جده المغفور له الحسين بن علي، ورسالة عمّان في المحبة والتعايش والسلام العالمي.
وقد استطاع الملك (الامير انذاك) عبد الله الاول النهوض السياسي بإمارة شرق الاردن والتخلص من قيود الانتداب البريطاني، ففي عام 1928م شكل جلالته المجلس التنفيذي والمجلس التشريعي لمعاونته في الادارة، وفي عام 1936م تم الغاء المجلس التنفيذي وجرى تشكيل مجلس الوزراء، وبالتالي تدريجياً الغيت جميع القيود البريطانية المتعلقة بالتجيند والجيش ولادارة واصبح لجلالته الحق في تعيين القناصل في الدولة الاردنية، ونظراً للفكر القومي الذي يتميز به جلالته وثقافته الواسعة فقد استقطب جلالته الكثير من رجالات سوريا ولبنان وفلسطين والعراق للمساهمة في المجالات السياسية والتشريعية والادارية والاقتصادية والثقافية، وبدأت في عهد جلالته مرحلة بناء المؤسسات الوطنية المختلفة، ومن ذلك على الصعيد التجاري تأسيس غرفة تجارة عمان عام 1923م وعلى الجانب الثقافي تم تأسيس أول مطبعة في الأردن( مطبعة خليل نصر) عام 1922م، وأول جريدة أردنية هي (جريدة الأردن) عام 1923م، وموقعهما شارع السلط في قلب مدينة عمًان القديمة، وعام 1925م صدر قانون البلديات الذي تضمن تنظيم بلدية عمّان ولاحقاً عام 1950م تأسست أمانة العاصمة، كما شكلت مقاهي المدينة ملتقى سياسي نشط ففي عام 1928م عقد المؤتمر الوطني الأول في مقهى حمدان في شارع الشابسوغ، وقد أسست ورسخت هذه المؤسسات وغيرها للنهضة الوطنية التي نعيشها اليوم.
إن الموقع الاستراتيجي للاردن باعتباره يتوسط دول الجوار إذ يعتبر حلقة وصل بينها، أمر أضاف ميزة مهمة على مدينة عمّان والتي عرفت تاريخيا بالعديد من الاسماء التي تعكس طبيعة جغرافيتها الحصينة وعراقتها مثل ربة عمون ( دار ملك- عمون) وفيلادليفيا، هذه المدينة التي تربط طرق القوافل التجارية الواصلة الجزيرة العربية ببلاد الشام وأوروبا، حيث يتوجب على المسافر والسائح بين هذه المناطق والمدن المرور غالباً بمدينة عمّان، مدينة الجبال السبع وهندسة البناء الحضارية المتميزة والمتأثرة بطرز عمران الحضارات التي تعاقبت عليها خاصة الرومانية والاسلامية بما فيها العثمانية، حيث يلاحظ انتشار المباني الاثرية مثل المدرج الروماني وجبل القلعة وسبيل الحوريات، ومع قدوم الملك( الامير انذاك) عبد الله الاول انتقل التخطيط العمراني في مدينة عمّان من التنظيم الخطي الى التنظيم القائم على المركز أو النواة ضمت حوالي تسعة منطقة ادارية، توسعت لاحقاً، وقد اشتهرت المباني بطرز العقد والنوافذ الصغيرة والادراج والاقواس والحجر الملون ويمكن رؤية ذلك في بعض البيوت القديمة والمساجد( المسجد الحسيني) والفنادق القديمة والمقاهي والدكاكين والاسواق المنتشرة اليوم.
ان المشهد الحضاري الثقافي والمتسم بتنوع المجتمع العمّاني الذي يغلب على العلاقات بين افراده المحبة والتعايش، والهندسة المعمارية العريقة والجميلة جعلت من مركز مدينة عمّان ملتقى سياحي نشط، يحتاج الى الرعاية المستمرة من حيث النظافة والصيانة للارصفة والادراج وتوفير الخدمات والبنية التحتية الضرورية، بما في ذلك الخدمات التي يحتاجها السائح والزائر من مقاعد ولوحات ارشادية لابرز المعالم السياحية، وهنا اشير الى جهد شخصي قمت به وهو رسم وتخطيط وتنفيذ مسارات عمّان القديمة، وهو مشروع شخصي يأتي استكمالاً لجهد سابق شخصي أيضاً هو مسارات السلط السياحية، والتي يمكن من خلالها للسائح والزائر الاهتداء الى مواقع اثرية ومتاحف تاريخية في عمّان، الامر الذي يوفر عليه الجهد والوقت، وهو مشروع يمكن تفعيله بوجود تنسيق مع الجهات المعنية في امانة العاصمة.
ان القيادة الاردنية الهاشمية ودعواتها العالمية بالامن والسلام انعكست على مكانة الاردن ومدنه ، حيث اصبحت مثلاً مدينة عمّان بحق مدينة عالمية بمؤسساتها ومراكزها الثقافية والاجتماعية والسياسية، فهي عاصمة اقليمية تنطلق منها وبتوجيهات ملكية رسالة انسانية واخلاقية من خلال انعقاد المؤتمرات والملتقيات والاجتماعات الدولية المتنوعة فيها، ونستذكر في يوم عمّان رسالة عمّان التي اطلقها جلالة الملك عبد الله الثاني عام 2004م، لتنشر في العالم قيم التسامح والاعتدال ونبذ الكراهية، فكل عام وقيادتنا الهاشمية وشعبنا الاردني وكافة مدننا وبالاخص مدينة عمّان بالف خير.