الفكر الهاشمي الاستراتيجي ونظرته الانسانية الشمولية

نبض البلد -
عبد الله توفيق كنعان
أمين عام اللجنة الملكية لشؤون القدس
يحمل الفكر الهاشمي في مضامينه مشروعاً انسانياً يتصف بثراه وشموليته، فلا تغيب عن هذا الفكر الاصيل" منذ عهد المغفور له الشريف الحسين بن علي قائد النهضة والثورة العربية الكبرى ورسالتها القومية والانسانية بالعدالة والحرية، التي سار على نهجه في حملها الابناء والأحفاد من الهاشميين"، أي ناحية تخص الأمة والانسانية الا وقدموا لها عملياً الكثير من المواقف والطروحات والحلول، التي ثبت للجميع مساهمتها في دعم المجتمعات المعاصرة بمفاهيم وقيم اخلاقية شرعية تُعنى بالسلام والامن.
والمتتبع للخطابات واللقاءات والاجتماعات والمبادرات الهاشمية يمكن له بيسر أن يستخلص منها تجربة سياسية ودبلوماسية وثقافية رفيعة، واليوم وعلى أثر العدوان الاسرائيلي الهمجي على قطاع غزة وكامل المدن الفلسطينية العربية المحتلة، تزداد القناعة بأن التنبيهات من المخاطر وضرورة وجود إرادة حقيقية نحو حل عادل للسلام والتي قدمها الفكر الهاشمي، هي الصيغة المثالية القادرة على الخروج مما نحن فيه من أزمات وقضايا مصيرية وفي مقدمتها القضية الفلسطينية، فقد تمسك وما زال جلالة الملك عبد الله الثاني بن الحسين حفظه الله بثوابت ومنطلقات الخطاب الهاشمي فوضع أمام المؤسسات الرسمية والأهلية الأردنية أوراق نقاشية وبرامج وطنية كفيلة بايجاد حياة كريمة واقتصاد قوي وتنمية شاملة توفر للمواطن الأردني ما يستحقه ويطمح له، وعلى الصعيد الدولي وبنفس الفعالية يواصل جلالته جهوده الدؤوبة وعلى مدار عقود تقديم خارطة طريق للسلام والأمن العالميين، وها نحن وبكل فخر نحتفل في هذه الأيام بمناسبة اليوبيل الفضي لتولي جلالته سلطاته الدستورية، والتي شهدت وما تزال حراك انساني لمواجهة ما يمر به عالمنا من تحديات ألقت بظلالها على ملف القضية الفلسطينية والعلاقات الدولية.
من جهته وعلى ذات النهج الهاشمي الرصين يقدم سمو الأمير الحسن بن طلال واستكمالا لمسيرته الطويلة إلى جانب المغفور له الملك الباني الحسين بن طلال، العديد من الأفكار والمنطلقات في سبيل وحدة وتنمية وتطور وطننا وأمتنا وانسانيتنا، يخص بها سموه موضوعات السلام والعيش المشترك والكرامة الانسانية واللاجئين والمناخ والبحث العلمي وغيرها، وتشكل وحدة الأمة وتعاضدها الشغل الشاغل للهاشميين على امتداد تاريخهم، ففي سبيل ذلك فإن رؤية سمو الأمير الحسن حول مفهوم وحدة الأمة والانسانية، وفيما يخص جانب الامة فإنه يكون بشكل تكاملي أي بدعائمها وأعمدتها الأربع ( العرب والترك والفرس والكرد)، ويرى سموه أنه وانطلاقاً من هذا التقارب التاريخي والفكري والتطلعات الواحدة، يمكن اقامة وحدة عربية لا يشترط أن تكون شاملة في أولى خطواتها، ولكن من خلال مجالس أو تشكيلات اقليمية مثل مجلس التعاون ودول المشرق ودول المغرب العربي على غرار الهيئة الحكومية للتنمية في شرق افريقيا (IGAD ) ، فنموذج المشرق العربي المأمول، يضم دول الأردن وسوريا ولبنان وفلسطين والعراق، وبالتالي يمكن للأردن تحقيق منافع جمة إذا ما انخرط في التجمعات الاقتصادية الاقليمية والعالمية بما فيها الإفريقية والاسيوية، مما يساهم في الاتجاه لوحدة الانسانية بإقامة نظام إنساني عالمي غايته تجاوز الأزمات والكوارث بأشكالها (الكوارث من صنع الإنسان، والإنسان ضد أخيه الإنسان، والكوارث الطبيعية).
وفي سياق الجهود الدولية التي يقودها جلالة الملك عبد الله الثاني بن الحسين لحشد الدعم العالمي للشعب الفلسطيني ووقف العدوان على غزة وانهاء الاحتلال الاسرائيلي بوصفه المعضلة الأساسية، ما يزال الدور الدبلوماسي والإغاثي الأردني مستمراً ومتواصل، إلى جانب دعوة جلالته وفي كافة المحافل الدولية إلى أن حل الدولتين واقامة الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس، هي الحل الضامن للسلام في المنطقة والعالم، هذا الموقف التاريخي الذي أكد سمو الأمير الحسن على اهميته في دعم اهلنا في غزة والتخفيف عنهم بكافة الوسائل الممكنة، كما أكد سموه على ثبات جلالة الملك فيما يخص التصدي وافشال مخطط تهجير أهالي غزة والضفة الغربية، الأمر الذي يحتاج حسب رأي سموه وفي ظل الرواية الاسرائيلية التلمودية التي ينشط الاعلام الصهيوني الترويج لها مؤخراً، لخطوة مقابلة وهي العمل الجاد نحو توضيح حقيقة ما يجري في غزة وكافة مدن فلسطين للرأي العام العالمي خاصة أن اسرائيل تحاول اظهار نفسها للعالم بأنها الضحية وفي حالة دفاع مزعوم عن النفس، علماً بانها تتبع مخطط يهدف ( اسرائيل من البحر الى النهر)، وأساليب التهويد والاسرلة كما اشار إلى ذلك المؤلف أنتوني لوينشتاين في كتابه ( مختبر فلسطين ) The Palestine Laboratory، لذا نحتاج لرصد ما يجري في غزة من جرائم حرمان بشعة، وذلك باعتماد ما اشار له سموه بفهرس للتعسف المتعدد الذي يعيشه الفلسطينيون على غرار فهرس الحرمان المتعدد، لنصل بذلك علميا وعملياً الى مرحلة تحديد أوجه الحرمان في مجالات الفقر والغذاء والتعليم والاحتياجات الأساسية ما يساعد في تحديد الأولويات والسير نحو اقامة البرامج والمشاريع القادرة على الحد منها وتقليصها.
إن الوعي الهاشمي بالاعلام ودوره في صناعة المواقف وحشد الراي العام للقضايا الانسانية العادلة وعلى راسها القضية الفلسطينية، وبشكل تستثمر فيه نهضة الاتصالات وتنوعها في عصر التكنولوجيا والانفتاح المعرفي العابر للحدود اتضح أيضاً في تغريدات ولقاءات جلالة الملكة رانيا العبد الله وسمو الامير ولي العهد الحسين بن عبد الله حفظهم الله، حيث كانت لقاءات جلالتها مع المحطات العالمية تحظى بتأييد ومؤازرة عبر مختلف منصات التواصل الاجتماعي لانها تنصر الحقوق الفلسطينية وتفضح جرائم اسرائيل وحكومتها اليمينية في غزة، ومؤخراً تمّ اطلاق قناة رسمية لسمو ولي العهد على منصة اليوتيوب وقد سبقها ايضا حسابات رسمية أخرى على مواقع التواصل الاجتماعي، والتي يمكن من خلالها نشر المواقف الهاشمية المناصرة للقضية الفلسطينية والقدس.
إن ما اسماه الامير الحسن بن طلال بثورة الوعي بالقضية الفلسطينة والمتزامن مع مشاهدة العالم لجرائم اسرائيل ووحشيتها بالتطهير العرقي للشعب الفلسطيني، شاركت بها الجامعات في عالمنا العربي والاسلامي، من هنا ربط سموه بين البحث العلمي التنموي والمؤسسات العلمية وادوارها المعاصرة في خلق بيئة انسانية عادلة يسودها الوفاق والتسامح، وبين ضرورة الانطلاق لتعزيز الحاكمية الرشيدة وتعزيز منظومة الوقف الجامعي كنوع من الاستثمار بالعلم لاجل الانسان ومجتمعه، وهي رسالة للامة موجهة من سموه من خلال اتحاد الجامعات العربية، باعتبارها مصدر صناعة النتاج العلمي والمعرفي، الذي يجب ان يواكب احتياجات الامة وشعوبها، وفي منحى الاهتمام بتعليم الاجيال وزيادة وعيها لجوانب قضية فلسطين والقدس فقد سبق وان خاطبت اللجنة الملكية لشؤون القدس اتحاد الجامعات العربية والاسلامية ووزراء التعليم العالي والتربية والتعليم في الاردن وبشكل متواصل من اجل تخصيص مساقات ومناهج في الجامعات والمدارس لتدريس قضية فلسطين والقدس، وبناء على طلب اللجنة خصص الكثير منها مناهج لتدريسها، ولكن المطلوب اليوم العمل بشكل مستمر على تزويدها وتضمينها بكل ما يجري حول القضية الفلسطينة والقدس لتبقى الاجيال على اطلاع بتاريخها وبكافة اشكال الاعتداءات والجرائم والمجازر اليومية التي يتعرض لها أهلنا في فلسطين والقدس، ويمكن الاستعانة لهذه الغاية المعرفية بما يصدر عن اللجنة الملكية لشؤون القدس من تقارير ومؤلفات وما تحوية مكتبة اللجنة من مصادر ومراجع أيضاً.
ان الفكر الهاشمي بتفاصيله وتنوعه يحتاج للكثير من وقفات الشرح والنقاش، غير أن الاضاءة على بعض محطاته أمر في غاية الضرورة خاصة في ظل ما تعانية أمتنا وانسانيتنا من تحديات وأوجاع آن لها أن تزول، لذا ينبغي إعادة النظر في الاستراتيجية المفترضة التي يجدر بنا اللجوء اليها لمواجهة الاثار السلبية والنتائج المطردة لهذه التحديات العصبية، والفكر الهاشمي يقدم بجدارة مساهمة حكيمة لمواجهتها، وتجدر الاشارة إلى أن القضية الفلسطينية والقدس كانت وما تزال ركيزة في الفكر الهاشمي، ودفاعهم عنها معروف للقاصي والداني، وسيبقى الأردن شعباً وقيادة هاشمية صاحبة الوصاية الهاشمية على المقدسات الاسلامية والمسيحية في القدس النصير والسند لأهلنا في فلسطين وكافة مدنها مهما كان الثمن وبلغت التضحيات.