نبض البلد -
تجاوزت العقد الخامس وما زلت أذكر أول يوم ذهبت فيه إلى المدرسة ، ذلك اليوم الذي ذهبت فيه مع أخي الأكبر ووضعني في صفي وذهب ، وبدأت القصة ، اليوم أحمد الله على ذلك اليوم الذي بكيت فيه كثيرا ، وأحمد الله على ما وصلت إليه ، وأقف احتراما لذلك المعلم الذي إستطاع أن يضع تلك البذرة في مكانها ويحوطها بالعلم والإهتمام حتى أصبحت ما أنا عليه اليوم.
لم أكن أعلم حجم الجهد الذي يبذله معلمو المراحل الأساسية ، حتى أطلعت بحكم عملي على ما يقومون به ، ذلك الجهد المنقطع النظير حتى نستطيع نحن أن نتعلم القراءة والكتابة والرياضيات ، تلك الكلمة الأولى التي نقرؤها هي بمثابة نيشان شرف يعلق على صدر المعلم الأول الذي تولى كسر حاجز اللغة معك ، وكم السعادة الكبيرة التي يشعر بها ستجعلك تشعر بالفخر عندما تكتب كلمتك الأولى .
نعم أستخدم صياغة المذكر متعمدا، لأن معلمينا نحن الجيل القديم كانوا ذكورا ولم يكونوا إناثا ، ومع ذلك بذلوا الجهد وأعطوا حتى وصل هذا الجيل إلى ما هو عليه اليوم، واليوم أقف إحتراما لما تقوم به المعلمات والمعلمين ، فالطلاب في المراحل الإساسية يحتاجون إلى جهد مضاعف في العمل والتأسيس .
وليس غريبا أن تكون رواتب المعلمين في المراحل الأساسية في الدول المتقدمة أعلى من رواتب المعلمين في المراحل المتقدمة ، فحجم الجهد والرعاية التي يبذلها المعلم في المرحلة الأساسية هي مضاعفة وحجم الإهتمام مضاعف ويحتاج الطالب إلى تركيز أكبر .
نعم ينقسم المعلمين دائما الى معلم مؤثر ومحفز وباعث للهمة ويعمل على إنشاء جيل يستحق الإحترام ، والصنف الآخر الذي يتعامل مع هذه المهنة الروحية العظيمة بشيء من الواجب، ويرى أنها مجرد وظيفة هو مجبر عليها، فهذا لا يصنع فرقا، وقد يكون أثره للأسف سيئا، والذاكرة تعج بأمثال هؤلاء.
ما يصنع الفرق هم الصنف الأول من المعلمين الذين يبذلون أرواحهم ويعطون من قلوبهم ، نعم التعليم لن يكون مهنة، ولن يكون المعلم موظفا، فما أشبه المعلم بالرسول الذي يحوط هذه النفس التي بين يديها ويبذل فيها ويعمل ويحسن ويعالج حتى تخرج من بين يديه آية في العلم والأخلاق والتربية،.
عندها فقط يحدث الفرق بين معلم ومعلم، وبين جيل وجيل .
الجيل الذي بنى مدرسة السلط الثانوية لم يكن يسعى للمكان ولا للمبنى ولم يكن يريد أن يستحدث وظائف ولا أن يشغل موقعا فارغا بمشروع تجاري، كان يسعى لبناء مصنع للرجال، لذلك بذل الأرض والمال والوقت وبنى لا أقول مدرسة ولكن جامعة كان لها الفضل، وما زال لها الفضل إلى اليوم، هذا هو الفرق بين العطاء ووالوظيفة، في الأولى تبذل مع الجهد النفس والقلب، وفي الثانية هو فقط موظف، وما يصنع الفرق هو الأول طبعا.
سيقف هذا الجيل إحتراما ويقبل يد المعلم عندما يعطي مع العلم القلب والحب والتربية ، وحتى يصنع الفرق لا بد أن يحب المعلم عمله ويدرك أهميته ويدرك الفرق بينه وبين الموظف.
عندها فقط نصنع جيلا مختلفا .
مهما قلت من الكلمات لن تكون كافية لشكر من قام بتعلمي، ولكني أسأل الله أن يجازيه كل خير ، وساحرص دائما على ان اجعله فخورا بما قدم .
واسأل الله لهذه الأجيال أن تدرك ما يقوم به المعلمون المخلصون حتى يصبحوا جيل نفخر به .
أحترامي لكل المعلمين في كل مواقعهم ...
إبراهيم أبو حويله ...