نبض البلد -
خليل النظامي
منذ عشرات العقود والأردن أصبح حاضنة لـ المهاجرين القسريين جراء الحروب في المنطقة، والتاريخ لا يخفي شيئا حول الأعداد الهائلة التي إحتضنها الأردن وشعبه المعطاء الدول الشقيقة كـ فلسطين واليمن والعراق وليبيا وآخرها سوريا.
حالة الأردن هنا مختلفة بشكل محوري عن باقي دول العالم، فـ الإستقرار السياسي والسيادة القانونية، والأمان الإجتماعي والأمني، وكرم ومروءة الأردنيين ؛ جميعها عوامل شكلت بيئة خصبة وجاذبة لـ كل شريد ومهاجر لـ "يستقر" فيها سواء كان بشكل قانوني أو بغير ذلك من الطرق غير القانونية والشواهد كثيرة.
اللافت بـ الأمر ؛ أن جميع الهجرات التي توالت على الأردن خلال العقود الماضية ؛ كانت من الشرائح الإجتماعية البسيطة أو ما يعرف بـ شريحة البرولتاريا الكادحة والمتوسطة، في الوقت الذي هاجر فيه رؤوس الأموال ورجال الأعمال من سوريا وفلسطين والعراق وغيرها إلى دول أوروبا الغربية والشرقية وأمريكيا اللاتينية، الأمر الذي يؤكد حالة الإستنزاف المالي واللوجيستي التي مر بها الأردن منذ بدء هذه الهجرات.
ومن خلال تتبع حالة هذه الشريحة من المهاجرين نستدل على حجم الجهود التي بذلها النظام السياسي الأردني والسلطات التابعة له، لـ إتاحة مساحة من الإنسانية والعيش الكريم لـ هؤلاء اللاجئين، ومنحهم بـ قدر ما لديه من إمكانيات مادية ولوجستية بـ هدف التخفيف عن معاناتهم وجروح قلوبهم التي لن تشفى إلاّ بعودتهم لـ أوطانهم.
إلى ذلك ؛ يحتضن الأردن عمالة وافدة من مختلف الجنسيات العربية، خاصة جمهورية مصر العربية الشقيقة والتي يقدر عدد العمالة الوافدة منها في الاردن بـ قرابة المليون عامل، منتشرون في شتى القطاعات ويعملون بمختلف المهن، علاوة على مئات الآلاف من العمالة من الجنسيات العربية الأخرى، جميع هذه العمالة شكلت تحديات كبيرة جدا أمام السلطات الأرنية، والتي كانت من أبرز الأسباب في إرتفاع معدلات ونسب البطالة والفقر بـ التوازي مع ما سببته الهجرات المتتالية على الأردن بحسب ما خلصت إليه الدراسات والأبحاث والإحصائيات الرسمية.
في مواجهة هذا كله ؛ لطالما كان هناك سؤال حائر في سماء الأردن دون إجابة واضحة يطرح وهو ؛ "هل ما زال الأردن نظاما وحكومة وشعبا قادرا على تحمل أعباء اللاجئيين بغض النظر عن منابتهم، أم أنه بات كـ الجمل "الخلوج" الذي أضحى شريدا في الصحراء بعد ان خذله أصحابه.؟
بـ الأمس ؛ وبكل صوت واضح وشفاف أجيب عن هذا السؤال أمام المجتمع الدولي بـ أكمله من سيد البلاد جلالة الملك عبدالله الثاني حين قال ؛ "أن مستقبل اللاجئين السوريين في بلدهم وليس في البلدان المستضيفة، وأتبع قوله بـ أن ضحايا النزاعات والتهجير والجواع والكوارث الطبيعية ليسوا مجرد إحصاءات وأرقام إنهم إخوتنا وأخواتنا في الإنسانية وشركاؤنا في عالمنا".
حديث الملك حمل إشارة صادقة وشفافة إلى المجتمع الدولي وخاصة القوى العظمى والعالم أجمع، تؤكد أن مسألة المهاجرين واللاجئين وبـ الرغم من عظم الجهود الإنسانية المبذولة، إلاّ أن القدرة على تحملها أوشكت على الإنتهاء، والواجب الأن إتخاذ إجراءات واقعية ملموسة، بعيدا عن سرد الأرقام والإحصائيات أمام العالم وشاشات الاعلام وتحقيق الوعود التي لم يوفى بها.
بـ المقابل لا أذكر ان وقعت فاجعة أو حدثت كارثة في دولة في العالم إلا وإنتشرت عقبها وعلى الفور البيانات الصحفية من وزارة الخارجية الأردنية وتصدرت المشهد الإعلامي بـ مضامين تطمئن الأردنيين والأهالي عن حال أبنائهم وأنها تتابع أحوالهم أولا بأول في تلك المناطق.
وهذا البروتوكول يعتبر إجراء أساسي في المؤسسات الدبلوماسية في شتى أنحاء دول العالم، خاصة في الدول التي تهتم بشأن شعوبها وأبناءها المهاجرين سواء قسرا أو طوعا.
لكن الأمر مختلف لدى السلطات السورية الحالية، حيث أصبحت لا تهتم إلاّ لمصالحها الخاصة فقط، فـ من تركيا وألمانيا والكثير من دول أوروبا التي تنتشر فيها حاليا "العنصرية" ضد العرب عامة والسوريين خاصة، مرورا بـ لبنان وبعض الدول العربية التي يتعرض فيها السوريين المهجرين إلى كافة أشكال الضغوطات الحياتية، وصولا إلى الأردن التي تحتضن ما يزيد عن المليون سوري، لم نر أي تصريحات أو تحركات لـ هذه السلطات ترمي إلى استعادة أبناءه من الخارج لـ يعيشوا حياة كريمة ويعيدوا بناء سوريا التي عشقناها في زمن سابق.
وفي خضم هذا المشهد الإنساني والسياسي ؛ يبقى السؤال حائرا في الأوساط السياسية المحلية والعربية والإقليمية ؛ متى ستكترث السلطات السورية الحالية لـ شعبها المهجر الذي يعيش حياة قاسية ومريرة، وتهتم لـ مسألة عودته، وتخفيف الضغوط المالية واللوجستية والإنسانية عن شعوب وأنظمة الدول المستضيفه له، متى ستتحمل هذه السلطات المسؤولية الإنسانية والسياسية الملقاة على عاتقها تجاه شعبها؟