نبض البلد -
رحلات الغرب إلى الشرق ..
هذه العلاقة بين الشرق والغرب والتي ما نزال ندفع ثمن تجاذباتها إلى اليوم، فمرة تميل الكفة إلى الشرق وأخرى تميل الى الغرب، ومرة يرتدي الخريج عباءة وعمامة ويبقى هذا الزي رسميا يمثل العلم والعلماء ويحتفل به الخريجون عبر العالم، ومرة نأخذ الألقاب والأسماء والمسميات من الغرب جدل مستمر .
هل هو سحر الشرق أم سحر الغرب أم هي علاقة يفرضها من بيده القوة ، فإن كان السلطان فيصبح الغرب مسحورا بالسلاطين وقصورهم ونسائهم ويسعى لمحكاتهم ومحاكاة تصرفاتهم، وإن كان الغرب فرض عاداته وتقاليده على الشرق .
ماسينيون علقت روحه بين الشرق والغرب، أو كما يقول لورانس من يعيش بين عالمين تضيع روحه ، ويبدو أن الشرق أضاع الكثير من الأرواح.
لك ان تتخيل انه كان يضع فوق رأس الآية التي تقول : ﴿ قُلْ إِنِّي لَن يُجِيرَنِي مِنَ اللَّهِ أَحَدٌ وَلَنْ أَجِدَ مِن دُونِهِ مُلْتَحَدًا﴾
لم تكن رحلات الإستشراق إلى العالم الإسلامي رحلات في معظمها تهدف إلى البحث العلمي ولا إلى المعرفة، كانت رحلات تسعى لمعرفة نقاط القوة والضعف، وتلك النقاط التي من الممكن الإستفادة منها في محاولات فرض السيطرة على هذا المجتمع الذي يعيش مرحلة نهاية خلافة، نعم تخلل بعض هذه الرحالات أشخاص مثل ليوبولد فايس أو محمد أسد تغير تغير كاملا، وتغير فكره ومنطقه وعقيدته فصدق في تحوله، ولكن كان هناك من هو مثل لورانس او جون فليبي أو صحابنا اليوم لويس ماسينيون 1883 – 1963 ميلادي .
هؤلاء مروا من هنا لأهداف يحملونها بعضهم كان يحمل قليل من المبادىء وأخرين لم يكونوا إلا موظفين في دوائر تهدف إلى السيطرة على الشرق وإخضاعه لرغباتهم، ولكن كان للشرق أثره عليهم وغير فيهم أجزاء ولكنه لم يكن تغييرا كاملا، هؤلاء لم يكونوا سوى جنودا في خدمة الأهداف الغربية.
وعندما أنتهى دورهم تم إزاحتهم بكل بساطة، لنأخذ مثلا غلوب باشا في المنطقة بعد كل الدور الذي قام به، وقيادته للجيوش العربية في مواجهة الصهاينة تلك القيادة التي أحاطت بها الكثير من الأقول، وجعلت له دورا رئيسيا في الهزيمة التي حدثت للجيوش العربية.
وهو كما جاءته التعليمات بالمغادرة بعدها غادر بكل هدوء كجندي، لملم أغراضه كما يحدث بذلك فلاح المدادحة وزير الدفاع الأردني السابق نقلا عن موقع الجزيرة كان في غاية الهدوء عندما أمروه بالمغادرة، لقد تربوا جنودا وعاشوا جنودا وأقيلوا جنودا، وكما يقول المدادحة نفسه قلت له: أنك خائن! أنت خائن كبريطاني، وخائن كأردني! أنت خائن على كل الوجوه، فإن صدقت الأردن فقد خنت بريطانيا وإن صدقت بريطانيا فقد خنت الأردن، ويبدو أن الأخيرة هي التي حدثت .
نعود لهذا الذي مست روح الشرق روحه ولكنها لم تستطع أن تغير عقله وولاءه، وكان يبحث عن الأنا أو الشبيه في الأخر المخالف، كان بحث ماسينيون عنها في الإسلام، فمن ألالام الحلاج الذي رأى فيه المسيح المخلص، إلى فاطمة الزهراء التي رأى فيها مريم العذراء، إلى أصحاب الكهف الذين رأى فيهم النائمون السبعة في الإنجيل، والصوفية هل هي إلا نوع من أصحاب النذور .
كل متعرف على ثقافة أخرى يبحث عن ذاته في هذه الثقافة ، يبدو أن هذه المقولة دقيقة تماما وواضحة هنا، كان يرى أن أعلى درجات المحبة للمسلمين هي تحويلهم إلى مسيحيون.
أن تكون القناعة هي الحامل على التغيير فهذا أمر ألهي وهو أيضا غاية في الإنسانية، أما حمل الأخر على التغير بإستخدام وسائل الترغيب والترهيب بعيدا عن القناعة فهذا لن يكون حرية بأي حال من الأحوال .
ولن أقول كما يقول الغزالي بان الفهم هو إستنطاق مجهول من معلومين، ولكن المطلوب إن تصل إلى المجهول بقناعتك، وتتبناه بملء رغبتك عندها تكون هذه قناعة أو فهما سمها ما شئت .
صاحبنا ماسينيون مختلف به تماما فالبعض يرى أنه تأثر تأثر كبيرا بالصوفية وكان له فضل كبير في إعادة إكتشافها وإزالة الغبار عن كثير من مفاهيمها، ولكن مالك بن نبي وغيره يراه من شياطين الإستعمار وعقلهم الخبيث الذي كان يتحرك بصمت ودهاء وخبث ليحقق أهدافه وكان من جنوده أيضا، إن لم يكن هو ساحره الأكبر .
ماسينيون في نهاية حياته بدا أكثر إعتدالا، وحاول أن ينصف المسلمين من بعض ما لحق بهم من الإستعمار والظلم، وكان له موقف من إستعمار الجزائر ومن إحتلال فلسطين وناهض الإحتلال الصهيوني لفلسطين سلميا على طريقة غاندي او صوفيا على طريقة الحلاج.
كان في أخر حياته يردد ( يَسْتَعْجِلُ بِهَا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِهَا ۖ وَالَّذِينَ آمَنُوا مُشْفِقُونَ مِنْهَا وَيَعْلَمُونَ أَنَّهَا الْحَقُّ ۗ أَلَا إِنَّ الَّذِينَ يُمَارُونَ فِي السَّاعَةِ لَفِي ضَلَالٍ بَعِيدٍ (18) )
الرجل بقي جدليا حتى اللحظة الإخيرة، وما نقوله دائما إن النهاية والخاتمة هي لله وحده وليست لنا نحن البشر، ولكننا نحاكم الناس بتاريخهم وأثارهم .