نبض البلد -
منذ سنوات وانا اتعامل مع السوشال ميديا ، وخاصة الفيسبوك والواتسأب ، وابث من خلالهما افكاري وخواطري . وكنت حاداً في بعض ما اكتب ، و وسطياً في اغلبها . ووطنياً في جميعها ، او على الاقل حسب اعتقادي . مدافعاً عن الاردن وموقفه الرسمي ، ومحافظاً على ولائي وانتمائي لنظامه السياسي ، وبعيداً عن الاهداف والمصالح الشخصية .
وكنت في مقالاتي اتعرض للكثير من المواضيع ، بعضها داخلي وبعضها خارجي . ولكنها كلها تصب في محيط حبي لوطني ، كأردني أولاً ، وفلسطيني ثانياً ، وعروبي ثالثاً . ومستنداً على العقيدة الاسلامية ، والتآخي مع اخوتنا من ابناء الوطن المسيحيين . والدعوة الى هوية اردنية واحدة جامعة تتخطى المناطق والمحافظات والعشائر والمصالح الشخصية والهويات الفرعية . وتجمع الاردنيين حاملي الرقم الوطني من مختلف الاصول والمنابت . مع الاخذ بعين الاعتبار ان المحافظة على وحدة الدم الاردني الفلسطيني لا تعني ان يكون احدهما على حساب الآخر او لاغياً له ، طالما ان هناك قضية فلسطينية لم تحل بعد .
وكانت كتاباتي على الاغلب على شكل سرد تحليلي للاحداث ، وقد يغلب عليها طول المقال ، او تعدد الحلقات . وكنت المس رضا الكثيرين عما اكتب ، الامر الذي كان يسعدني . وكنت وفي كل مكان اجد من يتابع مقالاتي ، ويطالبني بالمزيد منها . ولكني في نفس الوقت كنت المس عدم رضا البعض عنها وهذا من حقهم . وكان بعضهم يواجهني بعدم رضائه هذا ومعظمهم بود . والبعض يجاملني بتجاهل ما اكتب .
الا انه مع مضي الايام فقد نمت روح من حدة الخطاب بين المتحاورين على مجموعات الحوار . وصلت الى درجة انه ان لم تكون معي فأنت ضدي ، وان كان الحوار ينتهي عادة بالجملة التقليدية ( ولك ودي واحترامي ) او ( ان اختلاف الرئي لا يفسد للود قضية) في حين انه يفسد ويفسد ويفسد . كما نمت ظاهرة معارضة كل موقف او تصريح او حركة تصدر عن مسوؤل . و تحولت المناقشات الى مشادات ، واختلاف الرأي الى مشاحنات . ولتجنب وقوعي في هذه الشراك ، فقد اخذت اسعى كل جهدي بان اجعل مقالاتي تخلوا من كل ما يثير استياء الآخرين منها . الى درجة انني كنت اعيد تدقيقها المرة تلو المرة ، واشطب منها كل جملة او كلمة من الممكن ان تثير الخلاف . او اعدل في نصها ، بحيث يبدوا ان موقفي يتفق مع مواقفهم حتى فيما نختلف فيه . مع اقراري انهم احياناً يكونوا هم على حق ، و اقراري ان هناك الكثير مما يستحق الانتقاد من افعال او اقوال لوزراء ونواب ومسؤولين ، الا انني كنت اكتفي بدور الناقد ، وليس المعارض ، تاركاً هذه المهمة لغيري من هواة القيام بهذا الدور .
كان الخلاف ينحصر في جهات النظر ، او اسلوب المعالجة ، وهذا حق . ولكن الامور تطورت لتصل الى الهجوم والاتهام ، واصبح متابعة ما ينشر على وسائل التواصل يتطلب اما التصدي له او تجاهله . وهذا ما كنت افعله في معظم الاحيان . ولهذا فقد خففت حجم مشاركاتي الى الحد الادنى ، مع حرصي على متابعة ما ينشر لابقى على اطلاع على ما يقال وما يجري .
. وهذا ما يفسر سر ندرة كتاباتي في الاشهر الستة الاخيرة . بالرغم من توفر المواضيع التي تستوجب الكتابة عنها ، مثل عيد الاستقلال ، و زفاف سمو ولي العهد . و عيد الجيش ، وما كان يجري على الساحة الدولية من مشاريع واحداث واتصالات . وكان اصدقائي يطلبون مني الكتابة عن ذلك ، وكنت اعدهم باني سوف افعل الا انني لم افعل .
ولذا ومنذ تاريخ 30 / 3 / 2023 لم اقم بنشر اي مقال يتعلق بهذه الشؤون . حيث كتبت في هذا التاريخ الحلقة السابعة والاخيرة من سلسلة مقالات بعنون الزلازل والسياسة وازدواج المعايير ، تحدثت فيها عن الزلزال الكبير الذي ضرب تركيا و سورية ، وعن ازدواجية المعايير الدولية في التعامل معه . وكنت قبل وبعد ذلك قد كتبت الكثير من المقالات بمواضيع مختلفة ، بداية من الحرب الروسية الاوكرانية ، ومرورا على حروب البترول والغاز ، والخلاف السعودي الامريكي حولهما . وعن التصعيد الذي تقوم به حكومة اليمين المتطرف الصهيونية في الاراضي المحتلة ، ومحاولات نتنياهو للهرب الى للامام من الازمة التي تعيشها حكومته نتيجة تعديلاته القانونية ، وذلك من خلال فتح جبهات صراع داخلي وخارجي مع المقاومة الفلسطينية . وكتبت عن الملف النووي الايراني وحقيقة الصراع بين ايران واميركا والكيان الصهيوني حوله ، وعن المواقف الاردنية الداعمة للقضية الفلسطينية على عكس ما يدعي مناضلي الصفحات الالكترونية و الكرتونية . وعن الموقف الاردني والعربي والدولي من سورية و حرب المخدرات والحروب بالوكالة للسيطرة على العالم ، الا انني لم انشر هذه المقالات ، ولم استكمل كتابته بعضها . نتيجة الاجواء التي تسيطر على وسائل التواصل الاجتماعي .
كما انني وفي نفس الوقت قللت من مداخلاتي وتعليقاتي على ما ينشر على مجموعات الواتساب ، بالرغم من حرصي على متابعة معظم ما ينشر عليها يوماً بيوم . وذلك لكثرة ما كان ينشر ، واستحالة متابعته كله ، و استحالة محاورة جميع الافكار التي تطرح من خلاله .
الا انني وبتاريخ 14 / 4 / 2023 كتبت مقالاً عن الانتخابات الرئاسية والتشريعية التركية ، حاولت من خلاله ان اكون حيادياً . بل انني انحزت به الى جانب الرئيس اردوغان رغم خلافي مع سياساته وعلى قاعدة اختيار اهون الشرين .
وفي ظل هذه الظروف اتيحت لي فرصة للسفر الى الولايات المتحدة الامريكية حيث يقيم ويعمل ابني في مدينة نيويورك ، وقررت ان احمل كهولتي واوجاعي وافكاري وان اهرب من عالم السوشال ميديا ، ومن السياسة وهمومها ، لعلي استطيع اعادة ترتيب افكاري ، ورسم خط سيري فيما تبقى لي من العمر ، ولكن هيهات .
يتبع
مروان العمد