علي الزعتري

علي الزعتري يكتب :بلاطة لكل مراجع

نبض البلد -
نبض البلد -بلاطة لكل مراجع

ساقتني المتطلبات لزيارة مكاتب لجهاتٍ حكومية وهذه ملاحظاتٌ سجلتها لثلاثة أو أربعةِ مكاتب خارج العاصمة. 

جاستُ أنتظر إنتهاء معاملتي بمكتب رئيس الدائرة الذي كان من غير انقطاع يستقبل المتعاملين و يستجيبُ للهاتف و يستخلص معلومات الحاسوب و يُوَّقِعُ المعاملات. إدارته تتعامل مع معلوماتٍ ذات حساسيةٍ عالية لا يجوز فيها الخطأ و لو كان بسيطاً. لم أعُدَّ عددَ المراجعين و المكالمات و لكنني أطريتُ بنفسي الرجلَ علي قدرتهِ. سألتهُ فشرحَ لي أن الأيام ليست كلها بمثل ذاك اليوم و أن هناك من الأيام ما يكون خفيفاً و أياماً يقفُ فيها مراجعٌ علي كل بلاطةِ بمكتبه، كنايةً عن التزاحم! قَدَّرتُ فيه صبراً علي التفسير للمراجع من أين يبدأ و المحاذير التي قد تواجهه. هذا ليس مألوفاً خاصةً مع الازدحام. إبداء الإعجاب بمهارات هذا المسؤول و قدرته علي تصوير الإزدحام الذي يتعامل معه بصورةٍ مُعبرَّة حقٌّ له يجب أن يُعطى من مراجعٍ وقفَ لهنيهة علي بلاطة!  

ثم أخذتني الأيام لمكتبٍ آخر و دلفتُ لغرفة المدير بسؤالي. قد يسألَ القارئ لماذا المدير و ليس موظف النافذة؟ لسببٍ بسيط و هو أن موظف النافذة كان يستمتع بالسيجارةِ و كأس الشاي و بدا غيرَ متحمسٍ لمقاطعة. فقلتُ لنذهب للأصل. شرح لي المدير باستفاضةٍ مشكورة جواباً مُقنعاً لاستفساري. و بينما كان هو يشرح كان أيضاً يتناول أوراقاً عديدة لمعاملاتٍ مختلفة، و كان معاونهُ يمشي بمعاملاتٍ أُخرى إلكترونياً بجانبه. قلتُ لنفسي أن الحكومة الاكترونية و الورق لا زالا توأم العمل و لا أعتقدُ أن انفصالاً بينهما سيحدث. و لا هو محبذ. 

بذاتِ اليوم أكملتُ طريقي لأستخرجَ أوراقاً رسميةً أحتاجها. لم أقْوَ علي دخول المكتب المختص الذي تحول لغرفةِ تدخينٍ تزكم الأنف و تُثْقلُ النفس. انتظرتُ خارجها رغم الدعوة اللطيفة لتقديم المعاملة، آملاً أن يخرج المدخنين قبلاً و تنجلي غيمة الدخان. كان من المطلوب الدفع الإلكتروني الذي فعلته بسهولةٍ. لكن مراجعين غيري لم يعرفا كيف فتطوع ثالثٌ دفعا من خلال هاتفهِ، بينما كان يشعل السيجارة و يحتسي القهوة. الخدمة عموماً كانت سريعةً لكنها ملأى بالنيكوتين رغم منعه بالدوائر الحكومية. 

و إلى مكتبٍ رابعٍ لاستكمال الوثائق وجدتُ هناك الموظف ملهوفاً بين الرد علي السلام و تأكيد المعاملة من مُقَدِّمي المعاملات و تسجيلها يدوياً ثم البحث عنها إلكترونياً و من ثم وضعها جانباً ريثما يتم الدفع مقابلها وجاهياً بمكتبٍ مجاور ثم إصدار الوثيقة و ختمها. مهامٌ متعددة بيدِ واحدٍ. اكتشف الرجل أن وثيقتي لن تصدر إلا إن تم تعديلها من مكتبٍ آخر، يبعد عنا حوالي الأربعين كيلومتراً. حاولَ هاتفياً ليجنبني المشوار لكنه لم ينجح. هنا أخفقت النافذة الواحدة و اضطرتني للذهاب لمكتبٍ جديدٍ لإصلاح التوصيف ثم العودة في اليوم التالي للمكتب الأصيل للإصدار. اليوم هي موظفةٌ مكانهُ و بنفس اللهفة. تحلق المراجعون حولها فطلبت منهم الانتظار بعيداً. تذكرتُ البلاطة لكل مراجع و "بلاطةَ" بعض المراجعين التي يتحملها الموظف. المهم، أُنجِزَتْ المعاملة بعد انتظارٍ منظم للدور وصرامةٍ فيها لطف. 

في كل زياراتي هذه وجدتُ معرفةً بالعمل و حرصاً علي التدقيق و صحة المعاملات. و كذلك إنجازاً سريعاً رغم المشوار الأخير. رأيتُ موظفين يقومون بعملٍ متعدد في نفس الوقت و لكن بدقة. نعم، بعض الفوضى في رصفِ الأوراق ثم التفتيش عنها لكنها تظهرُ بالنهاية. لكنني استأتُ من التدخين المتواصل للموظف والمراجع. و من فقرِ الأثاث المكتبي الذي لا يليقُ بمكاتب حكومية. و من قِلَّةِ الصيانة للأجهزة المكتبية. و أيضاً من مواقع بعض المكاتب. 

لا زالت رحلة إتمام المعاملات ببدايتها و إلى أن تسودَ الخدمات الإلكترونية فإن هناك بلا شك بلاطةً تنتظر كل مراجع في مكانٍ ما. 

علي الزعتري
الأردن
مارس ٢٠٢٣