نبض البلد -
نبض البلد -إن سياق هذا النقاش كما في المقالات السابقه, يأتي منسجماً مع أهداف مرصد مؤشر المستقبل الإقتصادي (مؤسسة بحثية مستقلة) ، الذي يسعى لدراسة الواقع الذي نعيشه من تحديات ومتغيّرات وصولاً الى المساهمة في إستقراء آفاق المستقبل . بما يخدم الصالح العام للدوله وأهمها الإستقرار السياسي الذي يخدم الأمن المجتمعي، والعمل على تعزيز مدرَكات أهمية النظرة الإستراتيجية وزيادة الوعي بالتوجُّهات والتحوُّلات لدى الرأي العام كما أن نقاشنا وحوارنا هذا , يخدم نفس الأهداف ودورنا الراسخ والثابت في خدمة قضايا الوطن في ظل القيادة الهاشمية لصاحب الجلالة الملك عبدالله الثاني المعظم حفظه الله ورعاه
كما رسخت خوارزميات رؤية التحديث الإقتصادي,حول هيكل خريطة الطريق للرؤية التحدي ألأكبر كما وردت في الصفحة 105غير واضحة الطريق كما انه ولا يمكن فهمها,حيث لا يوجد شرح لمفاهيم الدوائر الحائره واعدادها مع اهمال الجدول الزمني لتنفيذ اهداف الرؤيا ,اورد اهم النقاط الجوهريه .
أولاً : تتمحور "المحركات" الثمانية حول الخدمات المستقبلية ونوعية الحياة وجعل الأردن وجهة عالمية للسياحة، والموارد المستدامة والريادة والابداع والبيئة المستدامة والإستثمار، وكذلك الصناعات عالية القيمة. إعتمدت الرؤية الإقتصادية على طموح جامح أو يمكن إعتباره من دروب الخيال بإقامة إستثمارات ، وتوفير تمويلها بقيمة 41,400 مليار دينار أردني خلال العقد القادم نصيب الدولة 11,1 مليار دينار أردني ، غالبيتها من القطاع الخاص بغرض تقليص التمويل الحكومي وتعزيز الإستثمار الأجنبي أيضاً. دون الإشارة الى الكيفية والجدول الزمني والإمكانيات ومصادر التمويل المتاحة أو الهندسات المالية التي بُنيت عليها وإفتراضاتتحقيقها .
ثانياً : إن جوهر الرؤية المقترحة ، هو برنامج إستثماري ، أي توجهات نحو خلق فُرص إستثمارية ، لذلك لا يمكن تسميتها أو إعتبارها بالشكل والمضمون رؤية أو خطة إقتصادية . من وجهة نظر محدِّثكم ، تعزيزاً للتثبيت والإستقرارالإقتصادي كما يوصي الخبراء الإقتصاديون الحكومات العربية بتبنِّي السياسات الإقتصادية الكلية ، وأنا في مقدمتهم.
ثالثاً : في الأساس لقد قدَّمت تصوُّر في حينها ، حيث إعتبرت من الأفضل أن لا تنطلق أي تصوُّرات مستقبلية أو توجُّهات نحو خطة تنفيذية إقتصادية من الديوان الملكي العامر ، فما بالكم أن تقع تحت مسؤولياته ، كونها مغامرة وهذا الملف ملغم وشائك ، كما في ألاصل الدستوري هي مهام الحكومات ، وهو المبدأ الأهم .
رابعاً : أعتبر شخصياً ، من الحكمة أن تُقدَّم المشورة لسيدنا ، بأن تنطلق ورشة من الديوان الملكي العامر وبرعاية سيدنا مبادرة ( الميثاق الإقتصادي الوطني) الذي يُعنى بترسيخ معادلات تحقيق العدالة الإجتماعية ، دليل العدالة الضريبية وهيكلية توزيع الجهد الضريبي ، وإستراتيجية إدارة الدَّين العام ودستوريته ، محددات السياسات المالية والإقتصادية بما يعزز الإستقرار النقدي والمالي والنمو والإستقرارالإقتصاديوالإجتماعي ، مفاهيم وإطار الرعاية الإجتماعية والأمن الغذائي ، (قانون الإستقرار والتنمية) ليرسم الأولويات الوطنية وكذلك ينظِّم إطار وحدود المسؤوليات والإختصاصات والواجبات على السلطات التنفيذية والتشريعية والقضائية . إن تطوير مجموعة من المعايير وأدلة الحوكمة المشتركة للأنظمة المالية السليمة ممر إلزامي للإستقرارالمالي ، كما أن عنصر الحوكمة يكتمل أساسه وقوامه على فعالية مراقبة معايير ومبادئ عمل منظومة النزاهة والشفافية. أليس كذلك ؟ .
خامساً: الرؤية الإستثمارية المقترحة وبكل أسف لا يمكن إعتبارها خارطة إستثمارية مُحكمة ليست نِتاج دراسات وأبحاث واقعية ، بعيدة عن منهجية التخطيط والتنظيم الإقتصاد الكلي ، كذلك لم تستند على دراسات جدوى إقتصادية ومُسوحات فنية وسوقية وإعتبارات عوامل المنافسة ومركزنا التفضيلي من السعر والجودة ، وهل حاجة السوق الأردني وحصتنا من التصدير في الأسواق الإقليمية والدولية وكذلك حجم الواردات والصادرات من السلع والخدمات ذات العلاقة ، على سبيل المثال التوسُّع في صناعات الدواء ، ألم يدرك المخطط الإستثماري أهمية وإعتبارية قدرة السوق الحاكمة لرسم التوجهات الإستثمارية ، ولماذا شركة الحكمة إستثماراتها موجودة خارج الوطن؟ إن توطين الإستثمارات ودمج وتكاملية الإقتصاد الأردني المهاجر قصراً أو المغترب ، هو من أولويات أي برنامج أو خطة إقتصادية .
سادساً : تجاهلت الرؤية أدوات التنمية المحلية وهي الأساس في أي مشروع تنموي ، إن برنامج جلالة الملك حفظه الله السير في تطبيق نهج اللامركزية في إدارة الحكم المحلي إدارياً لتعزيز التنمية الإقتصادية وعدالة توزيعها جغرافياً .
سابعاً : رؤية التحديث الإقتصادي وبرنامج العمل الحكومي المُعلن لا علاقة لها بمنهج التخطيط الإقتصادي (الإستثمار والتجارة وتوزيع وتوظيف القدرات والإمكانات التنموية بعدالة وإنصاف ، كما لم يتم الإشارة من قريب أو بعيد ، نتائج أعمال الخطة وإنعكاساتها على المؤشرات الإقتصادية الكلية (قياس الأثر) من الناتج الإجمالي المحلي والدَّين العام وعجز الموازنة المتراكم ، النمو ، الفقر والبطالة عجز الميزان التجاري (الصادرات-المستوردات) ، للأسف لم تحوي أدبيات ومنهجية إعداد الخطة إتجاهات هذه الأرقام في السنوات الخمس السابقة ، ولم تقدِّم أي تصوُّرات مستقبلية حولها ، بذلك لم يتم مراعاة أسس التسلسل الهرمي التي يجب أن تتوافر أو تتضمنه أي خطة إقتصادية تنموية ، فما بالك على إعتبارها خطة إنقاذ إقتصاديوإجتماعي .
ثامناً : إن فكرة إطلاق رؤية التحديث الإقتصادي للأردن كجزء من أجندة الإصلاح الإجتماعيوالإقتصادي ولتسريع تحقيق أهداف التنمية السبعة عشر المستدامة للأمم المتحدة ، بالتدقيق لم تتطرَّق الخطة الى أي برنامج عملي وكيفية موائمتها وطنياً بهذا الإتجاه ، غابت المؤشرات المتعلقة بهذا الأمر غائبة (مثلاً مكافحة الفقر والبطالة ، التعليم الجيد ، الصحة الجيدة والرفاه ، طاقة نظيفة وأسعار معقولة ، العمل اللائق والنمو الإقتصادي ، إستثمار الموارد الطبيعية ، المياه النظيفة الإستهلاك المسؤول ، العدالة والقانون ، المؤسسات الحميدة والنزاهة ومكافحة الفساد .....)
تاسعاً: إن الجدوى الإقتصادية لنتائج رؤية التحديث الإقتصادي" الطموحة جداً في قفص الإتهام حول جدوى المنفعة الإقتصادية . هل من المفيد إقامة إستثمارات ب 41 مليار دولار التي ستعمل على زيادة الناتج المحلي الإجمالي للمملكة بمقدار 28 مليار دينار، أي إعتباراتإقتصادية ومالية تم الاحتكام لها ؟ أليس كذلك لإنتاج نمو في الناتج المحلي الإجمالي قيمته 28 مليار دينار خلال العقد القادم؛ أي إن قيمة رأس المال المستثمر سيكون أعلى من النمو الذي سيتحقق بسبب هذا الاستثمارات .
عاشراً : التحدي الأكبر التي قامت عليه الرؤية ، حول المقدرة على تأمين تمويل الخطة ، وكذلك الكيفية ، أي التصوُّر التنظيمي والقانوني والمالي لهيكل التمويل البالغ بـ ـ41.4 مليارات دينار، كون مهمة جذب بالاستثمار الأجنبي بهذه الظروف والزمان في غاية الصعوبة؛ مع تراجع وِفرة السيولة في العالم ما بعد جائحة كورونا، مسارات الحرب الأوكرانية غيَّرت أولويات الدول المانحة والضغوط التضخمية في العالم ، مع إرتفاع أسعار الفائدة في الأردن فقد تكون مهمة الإستثمار المحلي أكثر صعوبة حسب التقديرات الحالية والتصوُّرات المستقبلية لأكثر من عشر سنوات .
الحادي عشر: الرؤية والخطط الحكومية ، هل تستطيع تأمين مليون وظيفة على مدار عشرة سنوات من عام 2022 الى عام 2033 ، ألا يُعتبر هذا التعهُّد ضربة حظ ، طالما لم تُحدد الرؤية إحتياجاتالإستثمارات المُخطط لها من العمالة والتخصصات والمؤهلات أو قد تعتبر تحدياً غير عملي ، تحدياً رئيسياً وعدم ربطها في برامج تطوير نظام التعليم خدمة لمتطلبات وظائف المستقبل ، وهل عنصر الزمن في صالح برنامج الرؤية في هذا المجال. علماً أن هذه القطاعات لا تشغل في الوقت نفسه إلا 40% من إجمالي العمالة في الأردن وفق بيانات البنك الدولي لعام2021 ، لماذا تجاهلت الخطة توظيف غالبية الطاقة البشرية المتوفرة في سوق العمل ، فماذا عن 500 ألف عاطل عن العمل حالياً الذين ينتظرون حظهم في ديوان الخدمة المدنية ؟ لماذا لم تشملهم خطة التوظيف وفق الرؤية ، وفق أفضل التقديرات ، إن 68 ألف شاب وشابة يتخرجون سنويّاً من مستويات التعليم العالي .
فكانت هذه الخطوة كمن يدعونا الى رحلة صيد سمك في البحر الميت (أعتذر على الوصف) ، بالبحث عن حلول نتيجتها معروفة مسبقاً ، غير مُجدية وغير منتجة ، كونهم رسمو طريق تحرير الإمكانات المفقودة أصلاً ، والأهم متجاهلين الإجابة عن مفاتيح الحلول الحقيقية ، ألا وهو المكاشفة والمصارحة حول موضوع أساسي ، كيف ولماذا وصلنا الى هذا الوضع الإقتصادي والمالي ؟
بسبب اليأس من وجود أي إمكانية لإحداث أي فَرق في حياة الناس ، كما كشف تقرير لشبكة الباروميتر العربي البحثي، حول تراجع ثقة الأردنيين بحكومتهم إلى أدنى مستوياتها التاريخية خلال 2022 ، وهي الآن أقل بمقدار 41 نقطة مما كانت عليه وقت (إنتفاضات الربيع العربي). أستطيع أن أقول كباحث ومراقب سياسي الحكومة لم تقدِّم برنامج إقتصاديشامل ، أو برنامج تنفيذي لجذب المستثمرين من خلال قائمة مشاريع إستثمارية واضحة ومحددة المعالم من رأس المال المطلوب وحاجة السوق وعوائدها وقيمتها المضافة بزيادة معدلات النمو وخلق فرص وظائف جديدة ومقدار مساهمتها في دعم الموازنة (تخفيض العجز) وربحيتهالإستثمارات التقديرية ، أليس كذلك ، هل هناك من تصحيح بكل الإحترام.
في عهد جلالة الملك عبد الله ، تقدم الأردن في مجالات أخرى كان الإصلاح التربوي أحد إهتماماته الرئيسية. في بلد تقل أعمار نصف سكانه عن ثمانية عشر عاماً ، يُعتبر التعليم ذا أهمية حيوية ؛ ما يزيد عن 1.5 مليون شاب يدرسون في المدارس الإبتدائية والثانوية الأردنية. تم تصميم برامج مثل هذا ، والإصلاح التربوي بشكل عام ، لضمان عدم ضياع الشباب الأردني وحمايتهم من التطرف أو الإغتراب أو الإرهاب.
في مجال الإصلاح السياسي ، لم يسلِّم جلالة الملك عبد الله للمسارات التقليدية من قبل بعض المستشارين القائلة بأن عدم الإستقرار في المنطقة يجب أن يعيق عملية التحوُّل الديمقراطي والسياسي. الأوراق النقاشية الملكية ركَّزت على إشتراك المواطنين خاصة الشباب والمرأة في مؤسسات المجتمع المدني أولاً ، ثم دمجهم في عملية صنع القرار من خلال مشاركتهم الفاعلة في الأحزاب وصولاً الى الحكومات البرلمانية .
ليس من الظلم عندما نقول البعض يتصرَّف بطريقة ساذجة بعيداً عن التفكير والتخطيط الإستراتيجي ، من خلال إختيار الطريق الأسهل ، إن مبادئ وإتجاهات التغيير وصفتها منظمة التنمية والتعاون الإقتصادي ( OECD ) ، للحكم المؤسسي الجيِّد، مشروع الإزدهار وتنمية القطاع الخاص وتنمية الإقتصاد الأردني ومن خلال تبنِّي سياسات هيكلية في تحسين الكفاءة الإقتصادية التي تستهدف تحقيق أفضل وأعلى معدلات نمو إقتصادي مُستدام وتوسيع الأنشطة الإقتصادية والتجارة والإستثمار لرفع مستوى المعيشة وخلق فُرص عمل جديدة ومعالجة الفقر والبطالة بالتدرُّج المرحلي وتعزيز مسارات النهج التراكمي في التخطيط والإنجاز ، حفظ الله الوطن وقائد الوطن والشعب الأردني الواعي والمستوطن شجون الحكمة والتعقُّل والصبر على الصعاب ، كلنا ثقة بأن وقوفنا خلف قيادة جلالة الملك عبدالله المعظم الحكيمة ومسيرته المظفرة نحو الإزدهار والتقدُّم والرفاه ، لبناء المستقبل الأفضل بكل إمكاناته بعون الله تعالى ، والله ولي التوفيق .
الرئيس التنفيذي / مرصد مؤشر المستقبل الإقتصادي
anwar.aak@gmail.com