المشهد.. أخبار جديدة لجيل مختلف

نبض البلد -
نبض البلد_ جعفر الزعبي


"طائرات مروحية تحوم حول آبوت أباد عند الساعة الواحدة فجرا.. في حدث نادر." بهذه الجملة المقتضبة التي غرّد بها الشاب الباكستاني صهيب آثار، في الأول من مايو عام 2011، تغيرت أمور كثيرة في صورة العالم.


فالتغريدة كانت الإشارة الأولى إلى العالم بأن حدثا ما يجري في تلك المدينة الباكستانية الهادئة، ليتضح لاحقاً أنها العملية العسكرية الأميركية، التي أدت إلى مقتل زعيم تنظيم القاعدة السابق أسامة بن لادن. وما تبعها على المستوى الإعلامي العالمي لم يكن أقل جذرية، فصهيب آثار الذي كان يتابع الحدث من شرفة منزله، في حين كانت عائلته تغرق في النوم خلفه، أصبح في تلك اللحظة المراسل الأول من قلب الحدث، لأكبر المؤسسات الإعلامية الدولية، التي تابعت على مدار ساعات تغريداته وبثتها أولا بأول.


قد لا يكون صهيب أول من صنع ظاهرة "المواطن الصحفي"، لكنه بالتأكيد رسخها، بحيث باتت جزءا محوريا من نظرة وسائل الإعلام إلى كيفية صنع الخبر وإنتاجه وتقديمه، وبعد أشهر قليلة من تصفية بن لادن، بات هذا نهج  "المواطن الصحفي" مصدرا أساسيا في غرف الأخبار في شرق العالم وغربها، خاصة مع تغطيات أحداث ما عُرف آنذاك بـ"الربيع العربي" التي كانت منطقتنا خلالها مختبرا لكل ما يخطر على البال من أيديولوجيات وأفكار سياسية، وخطط وأساليب حربية وكذلك للتقنيات والقوالب الإعلامية.


منذ ذلك الحين جرت الكثير من المياه تحت الجسور كما يقال، فكل تقدم يجلب معه تحديات جديدة، وقد برزت بالفعل غيوم سوداء لا تُنسى في سماء تلك التجربة، فمن منا يذكر انهيار البورصات العالمية في أبريل/نيسان 2013 بعد تغريدة من وكالة أسوشييتد برس، بشأن إصابة الرئيس الأميركي باراك أوباما بجراح، جراء انفجار بالبيت الأبيض. بالطبع كانت التغريدة مزيفة وجاءت بعد قرصنة حساب الوكالة، ولكن الأسواق العالمية خسرت 130 مليار دولار خلال دقائق. وإن كنا قد نسينا تلك الحادثة فالحرب الإلكترونية بأسلحة "الأخبار المزيفة" حاضرة حولنا في كل يوم، بل تحوّل بعضها إلى صناعة قائمة بذاتها لها مراكز إنتاج معروفة.


أهم ما يعنينا اليوم من هذه التجارب هو مجموعة معطيات مؤكدة، بينها أن الخدمات الرقمية حطمت الحواجز والقوالب التقليدية لتغطية الأحداث، غياب الصورة والمراسلين من مناطق الأحداث الساخنة،  وأعادت محورية التركيز إلى القصة نفسها، بحيث أصبحت "القصة أولا" وجميع المنصات ووسائط التواصل في خدمتها دون اعتبار "للتكلف" الزائد في طرق تقديمها على حساب ما يهم الجمهور بالفعل، فالأخير لم يعد "متلقيا" بل هو جزء تفاعلي من الخبر، ومصدر له في الكثير من الأحيان، وبوصلة تساعد صانع المحتوى على تحديد وجهته من خلال تفضيلاته ومشاهداته وقدرته على التحكم في اختيار مصادره.


هذه الاعتبارات كانت حاضرة في نقاشاتنا منذ اليوم الأول على بدء التفكير في المقاربة الإخبارية التي ستعتمدها قناة ومنصة "المشهد" لجمهور جديد في عصر جديد. نحن في "المشهد" سننطلق من حيث يجب أن يكون الإعلام المعاصر، نافذة على أحدث وأهم الأخبار التي تؤثر على حياة الأفراد والمجتمعات من زوايا جديدة وفريدة كي يكتمل المشهد.


ستكون المهنية أساسا في ما نقدمه من محتوى، وذلك ليس شعارا، بل هو ينطلق من إيماننا المطلق بحق الجمهور في الوصول إلى محتوى دقيق ومتوازن يعرض كل الآراء، ويربط الخبر بسياقه الجغرافي والتاريخي والثقافي والاقتصادي والاجتماعي، بطرق تدمج الإبداع الصحفي بالتقدم الرقمي ليكون لدى الجمهور العربي مشهد متكامل حول كل ما يعنيه.


لن تقيدنا حدود القوالب الجامدة للعمل الإخباري، فغرفة الأخبار المركزية لدينا، هي القلب النابض لتجربتنا الإعلامية التفاعلية والمدمجة حيث يعمل فريق من الصحفيين من ذوي الكفاءات المتنوعة والمميزة، لإنتاج تغطيات متعددة المنصات، مدعومين بشبكة من المراسلين الذي يوفرون تغطيات شاملة بأساليب وقوالب حديثة، تراعى أولويات الجمهور وحاجته للوصول إلى المعلومات بدقة وسرعة.


ندرك أن ثورة المعلومات لم تبدل طريقة قراءة الخبر وأسلوب صياغته فحسب، بل أيضا طريقة صنعه ومصادره، لذلك فإن أدوات تحليل المحتوى والرصد الإعلامي والتأكد من مصداقية المعلومات، حاضرة بقوة في غرفة أخبارنا، وبفضلها سنقدم رؤية جديدة لكيفية عرض نشرات الأخبار وتوقيتاتها وعناوينها الرئيسية وصولا إلى التجربة البصرية التي تحكمها، بفضل إيماننا بتجربة "الصحفي الرقمي الشامل" القادر على رصد وإنتاج ونشر الأخبار دون القيود التي كان يفرضها التقسيم القديم للعمل.


في عالم الإعلام الحديث الجهد الحقيقي الذي يصنع الفارق يبدأ قبل النشر، ولكن الأهم أنه يستمر بعده، فإبقاء الخبر حيا وتغذيته باستمرار بزوايا وإطلالات جديدة، هو العنصر الحاسم في تلبية متطلبات جمهور ينتظر الكثير ممن يختار بنفسه متابعتهم على خطهم الزمني "تايم لاين".


لا أولوية لدينا لمنصة على أخرى، فالأساس هو القصة الخبرية، لتكن الشاشة أولا، أو لتكن المنصة الرقمية، أو التطبيق التلفزيوني أو حساب التواصل الاجتماعي لا يهم.. المهم هو الخبر والأهم أن يكتمل المشهد.