شركات تعرض وظائف وهمية مقابل رواتب «نافس».. للتهرّب من الغرامة

نبض البلد -
نبض البلد -

انتشرت أخيراً إعلانات على عدد من المواقع والمنصات التوظيفية، لشركات ومنشآت تابعة للقطاع الخاص، تروّج بشكل مباشر لأحدث أشكال «التوطين الصوري»، باستغلال المزايا التي يوفرها البرنامج الوطني لرفع تنافسية الكوادر الإماراتية (نافس)، خصوصاً الدعم المالي الشهري.

 

وتسعى تلك المنشآت من خلال هذه الخطوة إلى جذب مواطنين للعمل في وظائف «وهمية» لديها، تحت مسمى العمل عن بُعد، عن طريق إقناعهم بالحصول على راتب «نافس» من دون عمل حقيقي.

وفي المقابل، تنجح تلك المنشآت في التهرّب من سداد حصصها من مخالفات «مستهدفات التوطين»، البالغة 72 ألف درهم عن كل مواطن لم يوظف.

ومع اقتراب موعد استحقاق غرامات مستهدفات التوطين (2% من إجمالي العمالة الماهرة في المنشآت التي تضم 50 عاملاً ماهراً فأكثر)، المقرر تحصيلها بداية يناير 2023، رصدت «الإمارات اليوم» من خلال مواطنين وخبراء مختصين وأعضاء بالمجلس الوطني الاتحادي، ستة أساليب تلجأ إليها بعض الشركات الخاصة للتحايل على ملف توظيف المواطنين في القطاع الخاص، إمّا من بوابة «التوطين الصوري» أو للزعم بعدم قبول أي من الكوادر المواطنة بالوظائف المتاحة.

وأكد مواطنون أن أحدث أساليب التحايل على التوطين، تتمثل في إعلانات عن فرص عمل للمواطنين فقط، تابعوها على منصات وظيفية شهيرة، تروّج لوظائف إشرافية عن بُعد، دون أي اشتراطات لمؤهلات أو مهارات أو خبرات، مقابل رواتب متدنية تراوح بين 2000 درهم، و5000 درهم شهرياً، يخصم منها قيمة الاشتراكات التأمينية، مع إضافة الامتيازات المادية الخاصة بدعم «نافس» ضمن الراتب المقرر.

وأشاروا إلى أن بعضهم تواصل مع منشآت معلنة للاستفسار، فتبيّن أن الشركات تحتاج من مواطن إلى ثلاثة مواطنين لاستيفاء مستهدفات التوطين لديها، كما وجدوا منشآت تعرض وظائف «شكلية» دون راتب حقيقي، أو أي التزام وظيفي، مقابل الحصول على الدعم المالي الخاص بـ«نافس» شهرياً، على أن تخصم منه الاشتراكات التأمينية.

وعرّفت وزارة الموارد البشرية والتوطين، «التوطين الصوري» بأنه «قيد مواطن في سجل الشركة بوظيفة شكلية للتمثيل الصوري، منها التوظيف دون عمل حقيقي، وذلك لمجرد تحقيق المستهدفات المطلوبة شكلياً، أو إعادة توظيف مواطنين على رأس عملهم في المنشأة نفسها، بهدف التلاعب بالبيانات والحصول على المنافع المرتبطة بذلك»، مؤكدة أن ثبوت واقعة التوطين الصوري يعرض الشركات إلى غرامات مالية تراوح بين 20 ألفاً و100 ألف درهم عن كل موظف مواطن.

وفي حال إثبات تقارير الزيارات الميدانية لمواقع المنشآت بالقطاع الخاص، تورط صاحب العمل في «التوطين الصوري»، عمداً، وبالتحايل، يحال إلى النيابة العامة لاتخاذ الإجراءات وفق التشريعات المعتمدة في الدولة.

وأكدت الوزارة تعاملها بحزم مع المخالفات والممارسات السلبية بحق المنشآت التي تحاول استغلال مبادرات «نافس»، للحصول على الامتيازات المقررة للشركات المنخرطة في دعم البرنامج، والالتفاف على مطلب تحقيق مستهدفات التوطين، محذرة الكوادر المواطنة من الانسياق وراء هذه الجهات، وداعية المواطنين العاملين في القطاع الخاص أو أفراد المجتمع، للإبلاغ عن أي ممارسات خطأ في سوق العمل، بهدف تعزيز الرقابة.

وأوضحت أن لديها من الآليات ما يمكنها من كشف عمليات التوطين الصوري، بالتنسيق مع برنامج «نافس»، من خلال منظومة رقمية مرتبطة بجهات أخرى في الدولة، منها الهيئة الاتحادية للهوية والجنسية والجمارك وأمن المنافذ، والهيئة الاتحادية للمعاشات والتأمينات الاجتماعية وغيرها، لافتة إلى أنها تتولى متابعة أو مراقبة مدى التزام المنشآت تحقيق مستهدفات التوطين، عبر ثماني مراحل، تبدأ بوصول البيانات الواردة من «نافس» عن المنشأة، أو من خلال المستهدفات الواردة من قطاع التوطين بالوزارة، ثم التوزيع الآلي للمنشآت بحسب نظام التفتيش، وبعدها يتم سحب مهمة زيارة أو متابعة المنشأة من النظام من قبل المفتش، ثم يقوم المفتش بعد ذلك بإجراء الزيارة التفتيشية.

وذكرت أن مفتشي الوزارة ينفذون زيارات تفتيشية، ويتولى المفتش تعبئة استمارة التفتيش والمطلوب من الزيارة من خلال نظام التفتيش، ثم يتولى إعداد محضر المخالفة (في حال رصد أي مخالفة) وفقاً لاشتراطات المهمة التفتيشية، والإفادة بالأدلة والصور الداعمة، وبعدها تتم مراجعة واعتماد تقرير التفتيش ومحضر المخالفة من قبل المسؤول، وأخيراً، اعتماد محضر المخالفة والغرامة إن وجدت من قبل مدير المكتب.

وأفاد تقرير للوزارة بأن القرارات التي اتخذتها حكومة الإمارات في ملف التوطين، تسهم في توفير فرص وظيفية للكوادر المواطنة لدى أكثر من 13 ألف منشأة في القطاع الخاص قبل نهاية العام الجاري، مؤكداً تخصيص 1.11 مليار درهم لميزانية برنامج دعم رواتب المواطنين في القطاع الخاص، عبر مبادرة «نافس» للعام الجاري.

وتوقّع التقرير رصد 1.82 مليار درهم لدعم رواتب المواطنين في القطاع الخاص خلال العام المقبل، ليصبح المبلغ الإجمالي لدعم البرنامج 2.93 مليار درهم خلال العامين، لافتاً إلى أن 97% من المواطنين العاملين في القطاع الخاص (ضمن فئة الوظائف الماهرة)، مصنفون في المستويات المهنية العليا، فيما بلغ متوسط معدلات أجور المواطنين من العمالة الماهرة ما يقارب 14 ألف درهم شهرياً.

وأكد عضو المجلس الوطني الاتحادي، عبيد خلفان الغول السلامي، أنه من خلال تواصله المباشر مع المواطنين، رصد المزيد من أساليب المنشآت للتحايل على ملف التوطين.

وقال: «هناك شركات لا تُفضّل توظيف الكوادر المواطنة، كونها تبحث عن عمالة رخيصة، ولذلك تلجأ لأساليب احتيالية، بهدف التلاعب بالقرارات والإجراءات التي تلزمها توظيف مواطنين، عبر التوطين الصوري».

وأضاف السلامي أن «أبرز أشكال التحايل يتمثل في إنهاء عقود الموظف المواطن الذي كان يعمل بالمنشأة منذ أعوام، وإعادة توظيفه بعقد عمل جديد، بهدف نقله إلى مبادرة نافس، لضمان استيفاء أرقام التوطين المطلوبة منها، مقابل استفادة الموظف المواطن من الدعم المالي الحكومي. كما تبث جهات أخرى إعلانات التوظيف والشواغر، ثم تضع للتقديم بريداً إلكترونياً خاصاً لا يمثل الجهة، وهو أمر يتنافى والشفافية، ويفتح المجال للتلاعب بالوظائف».

وأشار إلى أن عدداً من المؤسسات، ولاسيما الحكومية وشبه الحكومية، يتحايل على ملف التوطين من خلال التعاقد مع شركات خارجية، تزوّدها بالموظفين للعمل بنظام «التعهيد»، لضمان خلو سجلّاتها الرسمية من وجود موظفين مقيمين بنسب أكثر من المواطنين، وتحقيق معدلات توطين وهمية، مؤكداً أن هذا النظام يمثل واحداً من أهم الابتكارات لمحاربة التوطين، إذ تتفق مع شركات توفر لها موظفين، وأغلبهم أجانب، بعقود سنوية، من دون أن يضافوا إلى المؤسسة أو الدائرة، وبذلك يكونون رسمياً تابعين للشركة، لكنهم يعملون في الوزارة أو الدائرة، ويحظون بفرص عمل تقلل من فرص عمل الإماراتيين وحظوظهم في القطاع الحكومي.

وقال إن «هذه الظاهرة تنامت عن طريق بعض البنوك والشركات الخاصة، وكان أمراً مقبولاً، في بداية الأمر، حيث بدأ بصغار الموظفين كعمال النظافة والصيانة، ثم اتسع ليشمل موظفي خدمة العملاء وفنيي الحاسب الآلي وبعض الوظائف الأخرى، إلى أن تفشى وانتشر في المؤسسات الحكومية، لأسباب غير منطقية ولا ضرورية».

وبدورها، اعتبرت عضو المجلس الوطني الاتحادي، شذى سعيد النقبي، أن «غالبية معارض التوظيف التي تنظم داخل الدولة تعد في الأساس أحد أشكال التحايل على التوطين، كونها لا تهدف إلى مصلحة الكوادر المواطنة، ولكن غالباً ما تشارك فيها جهات العمل من أجل الظهور الإعلامي والدعاية، بينما لا توجد على هذه المعارض أي رقابة أو محاسبة على مستهدفاتها».

وقالت النقبي: «أذكر في إحدى جلسات المجلس الوطني، أننا تحدثنا مع وزير الموارد البشرية والتوطين عن هذه المعارض، وفوجئنا بأنه من غير المؤيدين لتنظيمها، وأن الوزارة ليس لديها أي صلاحيات رقابية أو إشرافية عليها، وهو أمر يؤكد أنها لا تخدم التوجهات الحكومية في ملف التوطين، بقدر ما تخدم جهات عمل ومنظمين».

وانتقدت النقبي لجوء كثير من الشركات إلى نشر إعلانات لوظائف شاغرة على منصات توظيف محلية وعالمية، برواتب وامتيازات تختلف عن الوظائف المخصصة من الشركة ذاتها للمواطنين، والتي تعلنها في منصة نافس، مشيدة بحزمة الإجراءات التي اتخذتها حكومة الإمارات أخيراً، لضبط التلاعب في ملف التوطين، وتعزيز وتحديث الأدوات والآليات التي تمتلكها الوزارة، لضمان إنجاح التوجّه الحكومي لتوفير 75 ألف وظيفة للمواطنين في القطاع الخاص خلال السنوات الخمس المقبلة.

وشدّدت على أهمية وجود قاعدة بيانات واضحة ومتكاملة لتعزيز نسب التوطين في الوزارات والجهات والهيئات الاتحادية، وتحديد الاحتياجات الوظيفية والشواغر لدى الجهات الحكومية، «لأن عدم وجود قاعدة البيانات ينعكس سلباً على مستقبل الخريجين المواطنين».

من جانبه، اعتبر خبير التوظيف وعلاقات العمل، حمد العيدروسي، أن الدولة يوجد بها نحو 300 ألف شركة خاصة، ولديها قاعدة تشريعية وقانونية صلبة، وقرارات تركز على نسبة التوطين، وهو أمر زاد من فرص حصول المواطنين على وظائف، لافتاً إلى أن «هذا التطوّر يلقي بالمسؤولية على الكوادر المواطنة، لأن عليها أن تبحث عن الفرص التي تساعدها على التطوّر المهني والمهاري، وألا تنساق وراء المتلاعبين الذين يبحثون عن مصالحهم الذاتية بالتحايل على القوانين».

وقال العيدروسي: «من المؤسف أن اهتمام الشباب ينصب على وظائف تقوّض من تطورهم المهني، لأنها تجعلهم متأخرين كثيراً عن ركب التطور، فهم لا يعلمون أنه كلما زاد رصيد الإمكانات المهنية والمهارات لديهم، تزيد قيمتهم لدى جهات العمل»، داعياً الشباب إلى التركيز على تنمية جوانبهم المهنية أكثر من تركيزهم على البحث وظائف بأي راتب.

وأضاف: «حينما يكون المواطن واثقاً بإمكاناته، فسيتمكن من الترويج لنفسه، فكما يحتاج الشاب للوظيفة، فإن الشركات تبحث عن مستهدفات للتوطين، وبما أن المصلحة مشتركة، ستوجد أرضية للتفاوض على الراتب المناسب».

وتابع: «من غير المنطقي أن يقبل المواطن برواتب زهيدة تعرضها جهات عمل، لا تتخطى 4000 أو 5000 درهم، لأن الدولة نفسها وضعت غرامة تصل إلى 6000 درهم شهرياً على الشركة التي لا توظف مواطناً، ولذلك يجب ألّا يقبل المواطن بأقل من هذا المبلغ كحد أدنى عند التفاوض على الراتب».

ثبوت واقعة التوطين الصوري يعرض الشركات لغرامات مالية تراوح بين 20 ألفاً و100 ألف درهم عن كل موظف مواطن.

عدم وجود قاعدة بيانات متكاملة للاحتياجات الوظيفية لدى الجهات الحكومية ينعكس سلباً على مستقبل الخريجين المواطنين.

6 حيل على «التوطين»

■ الترويج لوظائف إشرافية «عن بُعد»، دون أي اشتراطات لمؤهلات

أو مهارات أو خبرات، مقابل رواتب متدنية، مع إضافة امتيازات «نافس».

■ إقناع المواطنين بقبول وظائف «شكلية» دون راتب حقيقي،

أو أي التزام وظيفي، مقابل الحصول على دعم «نافس».

■ إنهاء عقد الموظف المواطن لدى المنشأة، وإعادة توظيفه

بعقد عمل جديد، لنقله إلى مستحقي «نافس».

■ إعلانات الشواغر الوظيفية المرفق بها بريد إلكتروني غير رسمي

لا يمثل جهة العمل.

■ نشر إعلانات لوظائف شاغرة على منصات توظيفية محلية

وعالمية، برواتب وامتيازات تختلف عن الوظائف المخصصة

من الشركة ذاتها للمواطنين.

■ معارض التوظيف الخاصة