مشروب “شيطاني” يعزز غضب الجماهير! عندما تم حظر القهوة خوفاً من تأثيرها

نبض البلد -

نبض البلد – وكالات

تُعد القهوة من أشهر وأقدم المكونات التي يستهلكها البشر؛ إذ يعود تاريخ النبات الذي يحتوي على الكافيين إلى مئات، إن لم يكن آلاف السنين.

وقد شق مشروب القهوة طريقه من كل المناطق في العالم، ووصل إلى كل ركن من أركان الكوكب تقريباً، وفقاً لجمعية القهوة الوطنية NCA الأمريكية.

واليوم يمكنك الحصول على القهوة في أي مكان، فهي واحدة من أكثر السلع تداولاً في العالم، يشرب منها البشر حوالي مليارَي كوب كل يوم، وفقاً لإذاعة BBC البريطانية.

بغض النظر عن مدى تفضيلك للمشروب العالمي، لا يمكن إنكار أهمية القهوة على نطاق عالمي، لكن هذا لم يكن النظام دائماً. إذ واجه المشروب منعاً وحظراً مكرراً عبر التاريخ، بداية من مكة وإسطنبول، وصولاً إلى أوروبا في القرون الوسطى.

فيما يلي نستعرض أبرز المناسبات التي تم فيها حظر مشروب القهوة عبر التاريخ.

مكة تحظر المشروب باعتباره مثل النبيذ

بعد ابتكار المشروب وتداوله بفترة وجيزة تم حظر المشروب في مدينة مكة المكرمة، عام 1511، تبعتها القاهرة عاصمة مصر، التي حذت حذوها بقمع عنيف للقهوة عام 1532، باعتباره مشروباً مخالفاً للشريعة الإسلامية.

وقبل وصول القهوة إلى أوروبا، قرر حاكم مكة خير بك حظر القهوة نظراً لخصائصها القوية، فقد كان يُنظر إليها على أنها عقار خطير يحفز التفكير الراديكالي.

واعتقد خير بك أن القهوة خطرة ومُسكِرة مثل النبيذ، وهو ما حرمه القرآن.

لذلك وفقاً لموقعMashed الثقافي، استولى الحاكم على القهوة من البائعين وأحرق جميع المخزونات المتبقية. لحسن الحظ، بعد معارضة كبيرة من الجمهور وأعضاء المجالس قام سلطان مصر آنذاك بإلغاء الحكم. ومن هناك انتشرت حتى أصبحت جائزة في مكة مرة أخرى.

المشروب الشيطاني الأسود

يعرف أي شخص تناول الكثير من الكافيين أن القهوة يمكن أن تجعلك تشعر ببعض التوتر، ولكن قبل بضعة قرون ربما أدى ذلك ببعض الزعماء الدينيين إلى الاعتقاد أن القهوة كانت نوعاً من المشروبات الشيطانية.

إذ عندما كانت القهوة تشق طريقها من الشرق الأوسط إلى أوروبا في أواخر القرن السادس عشر، قوبلت بشكوك ومخاوف دينية فورية وفقاً لموقع History Hustle للتاريخ.

وقد أدت التأثيرات التي أحدثتها في الناس مقترنة بحقيقة أنها أتت من العالم الإسلامي إلى ادعاء قساوسة كاثوليك في إيطاليا أن القهوة كانت شيطانية، وفرضوا حظراً كاملاً على تناولها.

ومع ذلك، فإن الحظر لم يدُم طويلاً، أخطأ قادة الكنيسة عندما طلبوا من البابا كليمنت الثامن أن يجرب المشروب الشيطاني، واتضح أنه أحبه للغاية.

في الواقع، قيل إنه أعلن أن "مشروب الشيطان لذيذ جداً.. سيكون من المؤسف السماح للكفار باستخدامه حصراً، سنخدع الشيطان بتعميد المشروب وجعله مسيحياً حقيقياً"، وفقاً لبحث منشور بأرشيف صحيفة The New York Times الأمريكية.

الخوف من تأثير القهوة على بسالة الجنود في الحرب

ربما لم يكن أحد في التاريخ قد عادى القهوة وحاربها باسم البيرة أكثر من الإمبراطور البروسي فريدريك العظيم، الذي حكم معظم المنطقة التي أصبحت الآن ألمانيا وبولندا.

في أواخر القرن الثامن عشر، أنشأ فريدريك احتكاراً حكومياً لواردات القهوة، وقرر أنه بينما يمكن لأعضاء الطبقة الأرستقراطية الاستمتاع بكوب من حين لآخر، فإن القهوة ستكون لها آثار ضارة إذا سادت بين عامة الناس بحسب Koffee Kompanion.

أوضح فريدريك موقفه في إعلان يؤكد تفوق البيرة على القهوة. وكتب فيه أنه نشأ على شُرب البيرة، كما فعل أسلافه، بل وادعى أن "العديد من المعارك قد خاضها وفاز بها جنوده الذين كانوا يتغذون على البيرة، ولا يعتقد الملك أنه يمكن الاعتماد على جنود يشربون القهوة في تحمُّل المصاعب في حالة نشوب حرب أخرى، بحسب كتاب بعنوان All About Coffee عن تاريخ المشروب.

وقد واصل فريدريك حملته ضد القهوة لسنوات طويلة، وتم على إثرها العديد من التبعات السلبية، مثل رفع الضرائب عليها لإبعادها عن أيدي عامة الناس.

الإمبراطورية العثمانية تحظر القهوة

في حين أن بعض حالات حظر القهوة التاريخية لم تتح لها الفرصة لفترة طويلة، إلا أن جهود الإمبراطورية العثمانية لحظر القهوة استمرت لما يقرب من قرن كامل، وربما كانت أقوى حملة قمع في التاريخ.

إذ بدأت عام 1633 عندما أصدر السلطان مراد الرابع حظراً على التجمعات في المقاهي في إسطنبول، خوفاً من أن يتجمع الناس فيها لنشر الأفكار المتطرفة وإثارة الفوضى الاجتماعية.

وهو بالضبط ما فعلوه بحسب موقع أطلس أوبسكورا للتاريخ.

لم تتحسن الحملة عندما وصل خليفة مراد إلى السلطة، في ظل الحاكم التالي كان من يشربون القهوة يتعرضون للضرب في المخالفة الأولى،

وفي المرة الثانية التي يتم القبض عليهم فيها يُعتقد أنهم واجهوا أحكاماً بالسجن أو الإعدام.

بالرغم من ذلك، كان الناس لا يزالون يشربون القهوة. ويشير موقع History إلى أن الحظر على القهوة والمقاهي في الإمبراطورية العثمانية استمر حتى القرن الثامن عشر.

بالطبع بحلول ذلك الوقت انتشرت القهوة بشكل كبير خارج سيطرة الإمبراطورية. واليوم تُعرف إسطنبول (القسطنطينية سابقاً) بكونها مركزاً عالمياً للقهوة، ووجهة أساسية للقهوة التركية كمشروب رسمي.

الخوف من المشروب المنشط في تأجيج الجماهير

كان لخصائص القهوة كمنشط ومنبه قوي آثار عميقة على حياة وتفاعلات الناس خلال فترات انتشارها في جميع أنحاء العالم.

فقد فعلت أكثر بكثير من مجرد تعزيز أداء العاملين. وهو أحد أكبر الأسباب التي جعلت قادة العالم يحاولون التحكم في استهلاكها على مدى القرون العديدة الماضية، بحسب موقعNPR للأبحاث.

نحن نعلم بالفعل أن القهوة تجعل الناس أكثر انتباهاً ونشاطاً، كما أن المقاهي آنذاك كانت توفر مراكز للتجمع والمحادثة بين العمال.

وبالتالي كان كل هؤلاء الأشخاص المنتبهين واليقظين الذين اجتمعوا معاً يناقشون حياتهم ويتبادلون الأفكار السياسية والاجتماعية، والأهم من ذلك تحدثوا في معارضة بعض ظروف حياتهم اليومية، بحسب موقعHistory للتاريخ.

خلاصة القول أن القهوة كانت نافذة سياسية بشكل ما، لذا لا يمكن للقادة الذين يحاولون البقاء في السلطة أن يسمحوا لهذه الأنواع من المحادثات واللقاءات أن تستمر.

وتعود غالبية حالات حظر القهوة عبر التاريخ إلى هذه الحقيقة الأساسية.

ومع توجه القهوة غرباً إلى أوروبا، استمر الخوف منها ومن تأثيرها أيضاً.

على سبيل المثال، عام 1675، حظر الملك تشارلز الثاني المقاهي في جميع أنحاء إنجلترا بسبب مشروب القهوة.

تجدر الإشارة إلى أن الحظر استمر لمدة أسبوع فقط، قبل إجبار الملك على التراجع، وهو ما يلقي الضوء على حقيقة أساسية أخرى، فشلت كل محاولات حظر القهوة عبر التاريخ في النهاية، وكافح الناس من أجل حقهم في احتساء المشروب اللذيذ والمنعش.