نبض البلد -
نبض البلد -- أكد صناعيون وخبراء، أن الصناعة الأردنية تواجه صعوبات جمة في الحصول على التمويل اللازم، لاستدامة عملها وتطويره، بما يواكب التغيرات العالمية في ارتفاع الأسعار، التي ألقت بظلالها على تكاليف التشغيل والإنتاج.
ودعوا في تصريحات لوكالة الأنباء الأردنية (بترا) إلى توفير برامج تمويلية خاصة للمنشآت الصناعية الصغيرة والمتوسطة، التي تشكل ما نسبته نحو 90 بالمئة من إجمالي منشآت القطاع الصناعي، بفوائد مخفضة، بما يعزز تطورها وتنافسية وجودة منتجاتها.
ووفقاً لتقرير الاستقرار المالي الصادر عن البنك المركزي، فإن نسبة رفض البنوك لطلبات التمويل المقدمة من الشركات الصغيرة والمتوسطة تبلغ نحو 16.2 بالمئة من قيمة الطلبات، وتشكل طلبات الشركات الصغيرة والمتوسطة المرفوضة ما نسبته 77.7 بالمئة من إجمالي عدد الطلبات المرفوضة لقطاع الشركات الإجمالي.
ووافق البنك الدولي، أخيرا، على تقديم قرض للأردن بقيمة 85 مليون دولار لتمويل مشروع يدعم صندوق تطوير الصناعات، لتستفيد منه أكثر من 500 شركة في تطوير صناعاتها وترويج منتجاتها.
ويهدف المشروع إلى مساعدة شركات صناعية في تسريع وتنويع صادراتها من خلال دعم تفعيل صندوق تنمية الصناعة وتنفيذ برامجه، وهو جزء من برنامج أولويات الحكومة للفترة 2021-2023.
وأكّد نائب رئيس غرفة صناعة الأردن وممثل قطاع الصناعات الغذائية محمد وليد الجيطان، أن المنشآت الصناعية، تواجه العديد من المعيقات عند طلبها الحصول على التمويل، موضحاً أن الغالبية العظمى من المنشآت الصناعية هي صغيرة ومتوسطة الحجم، ما يعني حاجتها الملحة للحصول على التمويل اللازم لاستدامة وتنمية أعمالهم.
وأشار إلى أن التسهيلات الائتمانية الموجهة للقطاع الصناعي لم تتجاوز نسبتها نحو 12 بالمئة فقط، من إجمالي التسهيلات الائتمانية التي منحتها البنوك خلال عام 2021، لافتاً إلى ضرورة تبني استراتيجيات وخطط تهدف إلى دعم وتمويل المنشآت الصغيرة والمتوسطة، التي تعد محركاً رئيسياً للريادة والابتكار، وأحد أهم مؤشرات التنافسية العالمية.
وقال الجيطان "إذا نظرنا إلى كبرى الشركات العالمية، نجد أنها بالأصل أفكار ريادية نشأت ضمن مشروعات صغيرة، ثم تحولت إلى شركات كبرى ذات حصة سوقية عالمية ضخمة"، مشيراً إلى تعاون الحكومة والقطاع الخاص لدعم تمويل المنشآت الصغيرة والمتوسطة، من خلال إطلاق عدد من برامج التمويل الميسرة، وتوفير الضمانات اللازمة من خلال شركة ضمان القروض، إضافة إلى استراتيجية الشمول المالي وشركة الاستعلام الائتماني.
ودعا إلى تشجيع المشروعات الريادية، التي "لن ترى النور" دون وجود التمويل الكافي، الذي ينقلها إلى أرض الواقع، لجعل الأردن مركزاً إقليمياً رائداً في الصناعات الأساسية، وتحقيق الاكتفاء الذاتي من الصناعات المحلية، والسعي لتحقيق الأمن الغذائي، استجابةً لتوجيهات جلالة الملك عبد الله الثاني.
كما دعا إلى الانتباه للتطور التكنولوجي، وأساليب الإنتاج والتسويق الحديثة، من خلال تخصيص برامج تمويلية لمستقبل الإنتاج، بما يسهم في توليد المزيد من فرص العمل، وتحسين أداء وتنافسية وإنتاجية الشركات. وفصّل الجيطان المعيقات التي تواجهها المؤسسات الصغيرة والمتوسطة عند تقدمها للحصول على التمويل، بدءاً من إحجام بعض البنوك والمؤسسات التمويلية عن منح تسهيلات، بداعي عدم توفر الضمانات الكافية، وعدم قدرتها على الايفاء بمتطلبات وشروط منح التمويل، ولاسيما ما يتعلق بتوفير سجلات مالية وموازنات تاريخية لأكثر من سنة.
من جهة أخرى، أوضح أن بعض أصحاب الشركات الصناعية الصغيرة والمتوسطة، يفضلون عدم الحصول على تمويل، بسبب ارتفاع تكلفته، الناجم عن ارتفاع أسعار الفائدة، وفترات السماح والسداد، والخوف من عدم القدرة على توفير الضمانات المطلوبة.
وقال إن "القطاع الصناعي، يعد من أول القطاعات مساهمة في تحقيق النمو الاقتصادي المستدام، إذ يعد المساهم الأكبر في الناتج المحلي الإجمالي بمعدل 45 بالمئة، مساهمة مباشرة وغير مباشرة، نظراً لتشابكيته وترابطاته مع مختلف الأنشطة الاقتصادية"، مشيراً إلى أن تقدم الصناعة يعني بالضرورة وجود نمو اقتصادي، ولاسيما بظل وجود نحو 90 بالمئة من المنشآت الصناعية الصغيرة والمتوسطة من إجمالي منشآت القطاع.
وأكد أن أهمية التمويل تكمن فيما يوفره من سيولة لازمة لضمان عمليات التصدير، بما يعزز تنافسية المنتج الأردني خارجياً، وتمكين المنشآت من الإيفاء بالتزاماتها وتمكينها من تطوير العمليات التصنيعية والإنتاجية.
بدوره، اعتبر عضو مجلس إدارة غرفة صناعة عمان سعد ياسين، أن التمويل من المعايير الأساسية التي تقيم بناء عليها بيئة الأعمال في أي دولة، وارتفاع تكاليفه قد تصل إلى 10 بالمئة، يضعف تنافسية الصناعة، ويقلل من جدوى استمرار بعض قطاعاتها.
وقال إن بعض الشركات الكبرى، ذات الفروع العالمية، دخلت في مرحلة الإعسار، بسبب ارتفاع تكاليف التمويل، وعدم تحقيقها أرباحاً تمكنها من الاستمرار في السوق، والحفاظ على العمالة لديها.
وأشار إلى أن التخوف على سعر صرف الدينار، دفع السياسة النقدية إلى إقناع المودعين بوضع أموالهم في البنوك بالدينار، بهدف دعم قيمة الصرف، وإصدار سندات خزينة تغطي عجز المصاريف.
ودعا ياسين إلى توفير بيئة أعمال مناسبة، يرافقها بيئة تشريعية جيدة وداعمة للاستثمار، وتخفيض الرسوم والضرائب، بما يشجع المستثمرين لإقامة مشاريعهم دون مخاطرة والاستفادة من الأموال الخاملة.
وبيّن أن طابع الاستثمار في الأردن، هو عقاري وإنشائي، إذ ينصب اهتمام المستثمرين في مشاريع البنية التحتية والخدمات، التي بدورها تحرك السيولة في الاقتصاد، لكنه لا يكفي لتحقيق الاستقرار، ولاسيما بظل وجود إقليم محيط مضطرب خلال السنوات الماضية.
من جهته، أكد عضو مجلس إدارة غرفة صناعة عمان تميم القصراوي، أن الصناعة المحلية تواجه صعوبات في الحصول على التمويل، بسبب ارتفاع تكاليفه، وصعوبة توفير الضمانات وتحقيق الشروط التي تتطلبها البنوك.
ولفت القصراوي إلى تكلفة التمويل التي تصل لنحو 10 بالمئة، وهي أعلى من قيمة العوائد العقارية مثلاً، ما يؤثر على استمرارية عمل المنشآت، مبيناً أن الاقتراض للقطاع الصناعي، يجب أن يكون مقسماً ما بين رأس مال عامل، ولشراء الأصول.
وأوضح أن الأصول كخطوط الإنتاج، هي أصول غير ربحية، ولا يمكن أن تتحمل المنشآت فوائد عالية عليها، فيما يعد رأس المال العامل هو المحرك للصناعة، داعياً إلى تخفيض فوائد الحصول على تمويل ضمن برامج مختلفة.
وبين ان توفير التقنيات الحديثة، لتطوير تقنيات الإنتاج، يقلل التكاليف الصناعية المباشرة على وحدة المنتج، ما يؤثر على تكلفة المنتج النهائي ومن ثم المنافسة والتصدير، وهو ما يستدعي تسهيل الحصول على التمويل.
وقال عضو مجلس إدارة شركة ألبان حارتنا (شركة طارق وزكريا الفقيه وشريكهم) زكريا الفقيه، إن الصناعة تحتاج للتمويل بأسعار منافسة من حيث الفائدة، إلا أن البنوك التجارية تحاول الابتعاد عن المخاطرة في عملها، من خلال تقديم تسهيلاتها للأفراد.
واقترح تقديم تسهيلات تمويلية للصناعة من خلال البنك المركزي مباشرة، بنسب فوائد مدعومة، في ظل ارتفاع أسعار المواد الخام العالمي، ما يعزز التنافسية.
فيما اشار رئيس جمعية المهندسين الصناعيين الدكتور ليث أبو هلال، إلى أن تضاعف الأسعار، ووجود مشاكل في سلاسل الإمداد والتزويد، ونقص حاويات الشحن وارتفاع أسعاره، عوامل تزامنت كلها مع ارتفاع الطلب على المنتجات الغذائية والمحاصيل الاستراتيجية لمستويات غير مسبوقة، والرغبة في زيادة المخزون وغيرها.
وأوضح أن هذه العوامل تتطلب مضاعفة رأس المال العامل، وهو ما يحتاج إلى مضاعفة سقوف التمويل، لمواجهة ارتفاع الأسعار، وخصوصا للمواد الخام ومدخلات الإنتاج وتكاليف التشغيل.
واوضح ابو هلال ان البرامج التمويلية التي وفرها البنك المركزي تعد صغيرة جداً، مقارنة بالحاجة الفعلية للتمويل، في ظل رفض رفع السقوف التمويلية وتمويل 70 بالمئة من المنشآت الصغيرة والمتوسطة بحسب دراسات لغرف الصناعة.
وأضاف إن "التمويل الجيد يرفع من سوية الصناعة ويعزز الابتكار والتطوير، ويحسن الجودة، ويرفع القدرات التنافسية، وبالتالي القدرات التصديرية"، مشيراً إلى أنه كلما كبر حجم أي صناعة، ارتفع حجم فرص العمل فيها.
ودعا إلى توفير منصات للريادة، من خلال إعطاء فرص أكثر للشركات الناشئة والشباب ذوي الأفكار، ودعم البحث العلمي.
الى ذلك، اكد الخبير الاقتصادي الدكتور بسام الزعبي، أن تحدي الحصول على التمويل من أبرز التحديات التي تواجهها الصناعة، نظراً لحاجتها للتوسع والاستيراد وفتح الاعتمادات وتأمين الالتزامات.
وقال إن البحث العلمي لا يحظى باهتمام من أي جهة، رغم وجود محاولات بسيطة في هذا الخصوص، مقارنة بحجم القطاع الصناعي وحجم الصادرات الوطنية، داعياً إلى تعزيزه مستقبلاً.
وأشار الزعبي إلى أن القروض ذات الفوائد المخفضة، من شأنها أن تدعم التكلفة الإجمالية للمنتجات، بما يعزز قدراتها التنافسية.
-- (بترا)