المنطق يقول أن البلد بحاجة اليوم إلى مزيد من الانفتاح، بعد أكثر من عام على الموائمة بين الملفين الصحي والاقتصادي جراء جائحة كورونا، حيث تأثرت كافة القطاعات سلبا جراء حالات الاغلاقات الجزئية والكلية التي شهدتها المملكة.
وربما الأكثر والأسرع نفعا هو الانتفاح سياحيا عبر محاولة استقطاب أفواج من الخارج لقضاء أوقات في الأردن وزيارة الأماكن السياحية، أو حتى تشجيع السياحة الداخلية، ولتحقيق ذلك لا بد من توفير نشاطات نوعية تريدها الناس وتندمج لها وتقدم عليها، وقد رأينا مثال ذلك في حفل المطرب المصري عمرو ذياب الذي أنعش قطاعات واسعة في محافظة العقبة التي كانت تعاني كثيرا جراء ضعف السياحة وانخفاض أعداد زوارها.
الكثير من الناس انتقدت تناقض الحكومة في التعامل مع ذلك، من ناحيتين، الأول أنها لم تراع الاجراءات البروتوكولية الخاصة بالسلامة العامة في هذه المناسبات، حيث اكتظت الساحات بالحضور ممن لم يلتزوموا بارتداء الكمامة، فيما كان ذلك أمام مرآة ومسمع الحكومة.
ومن الناحية الثانية هو التناقض في التعامل مع مسألة السلامة العامة، حيث بات الناس يتعرضون لمخالفات مالية في حال عدم التزامهم بإجراءات السلامة العامة في حيث يشاهدون بأم أعينهم حجم الاختلاط غير المدروس الذي شهده على سبيل المثال مهرجان جرش وحفل عمرو دياب. المواطنين يرفضون هذا التناقض في التعامل مع هذا الأمر.
بيد أن هناك من يرى ضرورة مثل هذه النشاطات الفنية والثقافية لما لها من مردود مالي يساعد الحكومة من جانب، والمواطنين من جانب آخر، ناهيك على تشغيله لقطاعات تضررت بشكل بالغ، وغير مسبوق.
لا أحد ضد الانفتاح، والجميع يدعو إليه، وقد شاهدنا دولا أعلنت مؤخرا انتهاء كل أشكال القيود التي كانت مفروضة، ما يعني أن الاقتصاد وتعافيه بات في المقدمة، وهذا الأمر هو ما تأخذه الحكومة بعين الاعتبار لايمانها أن مواصلة التقييد والاغلاق بات خطرا على الاقتصاد، وأرهق الأردنيين.
لكن هذا لا يعني أن نغفل أعيننا عن الجانب الصحي، إذ أن التراخي في هذا الأمر قد يعيدنا إلى نقطة البداية، حيث أن ارتفاع مؤشر أو نسبة الاصابات الإيجابية يدفع الحكومة لقرارات لا ترغب في اتخاذها. إذا من المسؤول عن ضمان عدم الوصول إلى هذه المرحلة؟.
حتما هناك مسؤولية مشتركة، إذ على الحكومة عدم التهاون في متابعة إجراءات السلامة العامة في كل مكان، وتحديدا في مثل هذه المناسبات لأن عدم تحقيق ذلك سيؤدي إلى حالة رفض عامة للكمامة وتعقييم اليدين، الأمر الذي سنتهي بنا إلى وضع وبائي لا تحمد عقباه.
في المقابل على الناس أيضا أن يدركوا أن مشاركتهم مثل هذه المناسبات وبهذه الاعداد لا يعفيهم من الحرص على سلامتهم وسلامة الحضور، وإدراك أن الدولة تبحث اليوم عن مداخيل مالية تساعدها في النمو الاقتصادي والاسراع في عملية التعافي، حيث على المواطنين أن لا يكونون عقبة في وجه ذلك.
كلنا مع إقامة مثل هذه الحفلات، نؤيدها ونتمنى أن تزداد أعدادها بشكل كبير، لكن جميعنا أيضا ضد ما يحدث به، إذ ليس بالأمر الصعب ضمان تطبيق إجراءات السلامة العامة فيها، وهذا يشكل دافعا للمواطن لأن يلتزم نظرا لأنه عندها سيملك قناعة أن لا تناقض في سياسة الحكومة بهذا الخصوص، وتسقط أمامهم نظرية "حمد يرث، وحمد لا يرث".
لم يختف فايروس كورونا، فهو منتشر في كافة المحافظات، ولا مؤشرات لأن نشفى من هذا الوباء، لذا فالمسؤولية ما تزال مشتركة وتقع على عاتق الجميع، والأمر لا يحتاج إلى بذل جهد كبير في ضمان الموائمة بين الجانبين الاقتصادي والصحي. المطلوب فقط هو أن يقوم كل طرف بدوره تجاه هذا الأمر.