محمد علي القريوتي
لم أستطع إلا أن أتوقف عند هذا العنوان وصاحبه ، فقد قالرئيس مجموعة البنك الدولي ديفيد مالباسقبل يومينخلالتواجده في السودانكأولرئيس لمجموعة البنك الدولي يزور السودان في قرابة 40 عاماً، أن عصرنا الحالي وما يتسم به من تفاوتات كبيرة وإنتكاساتفي مسار التنمية العالمية يمر بأوقات مضطربة ، وهذه الانتكاسات تُعرِّض أرواح الناس ووظائفهموأرزاقهم وأقواتهمللخطر،وتؤدي الىزيادةالفقر،وتدني مستويات المعيشة والتعليم والمساواة والتغذدية والصحة،وتحدي لكثيرمن الدول الاستمرار في تحمل أعباء الديون ،إضافة الىتحدي التغير المناخي.فكلهذا سيخلق إنحسار في التقدم الاقتصادي والاجتماعي وسيخلق أوقاتا صعبة على السياسة والعلاقات الجيوسياسية بين الدول . فالجائحة تسبَّبت في سقوط نحو 100 مليون شخص في مهاوي الفقر المدقع، وأصبح بضع مئات من الملايين في عداد الفقراء،كثيرمنهم في بلدان متوسطة الدخل ،فأين العبرة في كل هذا ؟
بطرحه سؤالاً مهما على المجتمع الدولي مفاده : ما الذي يجب علينا عمله لتعزيز نمو ينعم الجميع بثماره، ويكون على نطاق واسع، ويتسم بالاستدامة، ويتفادى عِقْدا من فقدان التنمية؟ وإجابته عليه بأنه علينازيادة التركيز على الأولويات الرئيسية، مع الوضوح في كيفية التعاطي معها وقياسها ، إضافة الى حاجتنا إلىنطاق أوسع بكثير لتحقيق التأثير. إذا…أولويات ، وضوح ، قياس ثم تأثير ،وماذا بعد ؟
هنا يضع يده على الجرح ويطرح أربعة مسارات لتحقيق التغيير وإحداث الصدمة الايجابية وهي تحقيق الاستقرار الاقتصادي، والاستفادة من مبتكرات الثورة الرقمية، وجعل التنمية أكثر اخضراراً واستدامة، والاستثمار في البشر ، ولكنهاجميعاتحتاج الى العمل الدؤوب وتكاتف الجهود .فديونالاقتصادات النامية كانت قد بلغت مستويات قياسية مرتفعة حينما حلَّت الجائحة، وحينما تنقضي مبادرة تعليق مدفوعات خدمة الدينلهافي نهاية هذا العام، ستشهدهذهالبلدان منخفضة الدخل انكماش الحيز المتاح لها في إطار المالية العامة لشراء اللقاحاتوتمويلالنفقات الأخرى ذات الأولوية.ويوصي بإتباعنهج تدريجي لضبط أوضاع المالية العامةوالكف عن النفقات العامة التي تنطوي على إسراف، ورفع كفاءة تقديم الخدمات، وإعادة تخصيص الموارد العامة لتوجيهها نحو الاستخدامات الأكثر إنتاجية ، ومشاركة القطاع الخاص ،وتمويل الاستثمارات الداعمة للنمو، إضافة الىإعادة هيكلة الديون التي يتعذر الاستمرار في تحملها ، وإتباع نهج استباقي لإعادة جدولةالدفعاتفي حين لا تزال أسعار الفائدة الدولية منخفضة.وهنا أستذكر بأنني طرحت العام الماضي لمتخذي القرار إعادة جدولة القروض عوضا عن سدادها للاستفادة من الاسعار القائمةوقتهاكونها منخفضة خصوصا وان قدرتنا على السداد اصلا متوفرة ، ولكن التفكير التقليدي كان حاضرأ وقتها!ما علينا …
وللحديث عنالثورة الرقميةأشار الى أنتبني الحلول الرقمية قد يساعد على تحقيق زيادة هائلة في إمكانية الحصول على التمويل وإتاحة فرص اقتصادية جديدة،فالحلولالرقميةوالتوسع بالاشتمال المالييمكن أن تؤدي إلى زيادة المنافسة في أسواق المنتجات وتمكين الناس من بيع الخدمات عبر شبكة الإنترنت،وربطهمبالأسواق الوطنية والعالمية، كما أنها تؤدي إلى تحوُّل جوهري في القطاعالعام ،وهذا يتطلبإجراءات كثيرة واسعة النطاقفيالاستثمار في البنية التحتية الرقمية، وإزالة الاحتكارات في قطاع الاتصالات، وتوفير بطاقات الهويةالوطنية، وخلق بيئة تنظيمية داعمة.معقول…وكأنه جالس بيننا!
كما أشارإلى أن المجتمع الدولي ملتزم بإبطاء الزيادة في انبعاثات الكربون في الغلاف الجوي، والحد من تأثيرات تغير المناخ على الفئات الأكثر احتياجاً والأولى بالرعاية، وأن الوقت قدحان لتنشيط إصلاحات قطاع الكهرباءعلىنحو يعالج أوجه عدم الكفاءة والنقص الكامنة ويزيد إمكانية الحصول على الطاقة، وتوفير إمدادات طاقة نظيفة ميسورة التكلفة المنافسة في مجال توليد الكهرباء وتوزيعها، وكذلك وجود هيئة تنظيمية مستقلة حقاً.. وقطاع النقل مصدر رئيسياخرلانبعاثاتالغازات الضارة ،ومع التوسع العمراني المتوقع في البلدان النامية، يمكن أن تساعد البنية التحتية وتصميم المدن على تحقيق تغير هائل إلى الأفضل. أهمية الاستثمار فيرأس المال البشري كانت من المسارات الاربعة والتيتتطلب تقوية أنظمة التعليم والرعاية الصحية على نحو يتسم بالكفاءة ويحظى بالأولوية.وختم أنالنجاحيتطلبمشاركة فعالة من القطاعين العام والخاص ، ومنظمات المجتمع المدني ومؤسسات العمل الخيري،وتضافر جهود المجتمع الدولي برمته .كلام فيالصميم.
الخلاصة ،أن أهم مؤسسة دولية في تأثيرها على قراراتنا تتكلم بنفس اللغة التي نتكلم بها كمجتمع ، وتعرف تماما تحدياتنا ، وشخصت بعمق ما نحتاجه ويحتاجه العديد من دول العالم ، وحددت الاولويات في طرح رئيسهاوبمسارات أربع ، والاهم القياس والتأثير ، أي النتائج الايجابية التي تنعكس على رخاء الشعوب ، فليس لنا حجة بعد ذلك، دعونانرى النتائج وها هي المسارات…فمن فمك ادينك.
” الوطن مش حجر وشجر ، الوطن عبارة عن مجموعة من البشر ، أنا الوطن وإنت الوطن وهاذ الوطن ، الوطن الانسان .. دير بالك على الانسان ، إذا أنا كنت بخير أنت بخير ، إذا أنا أنتجت البلد إرتفع مستواها ، وعنا مورد قوي هوه الانسان ، فحافظ على الانسان”.
مقولة لمواطن أردني حر ، قالها من قلبه في لقاء متلفز معه قبل فترة وهو في مركبته ، لا أستطيع إلا أن أقف عندها في كل لحظة ، أشاركها مع الكل ، فما أجمل تعبير إبن الوطن ، وما أجمل الوطن حين يكون نسيجه مِمن هُمْ هَمُّهم على الوطن . وأُعيد قوله ” إذا أنا أنتجت البلد إرتفع مستواها ” ، أي التشغيل … التشغيل فهو الذي يحافظ على الانسان وكرامته ويحافظ على الوطن.
رئيسة وزراء نيوزلندا جاسيندا أرديرن ، وقبل عام حين وضعها فريقها في تحدي لتقدم ما أنجزته خلال عامين مضوا في ثلاث دقائق متلفزة وبدون قراءة وهي تنظر الى الشاشة ، في أول 30 ثانية قالت أنها وفرت 92 الف وظيفة ، وأنشأت أكثر من 2200 منزل حكومي، وزرعت 140 مليون شجرة، وقدمت زيارات أرخص للأطباء لأكثر من 500 الف شخص، ورفعت الحد الأدنى للأجور، وبنت عددا أكبر الفصول الدراسية فى المدارس يتسع الى 100 الف طالب، بينما وصلت البطالة إلى أدنى معدل لها في 11 عامًا، والقائمة تطول بعدها لتعرض إنجازاتها خلال عامين مضوا ، حتى السامع لا يستطيع أن يتبع لهذه الانجازات فقد سبق الانجاز القول ، وللعلم عدد سكان نيوزلندا 5 مليون نسمة . رئيس أمريكا السابق ترامب كانت كلمة وظائف ” Jobs ” هي الكلمة التي يتباهى بها دائما وها هو الرئيس الحالي يكررها في كل المحافل ، وإذا تحدثنا عن أنجيلا ميركل فلك أن تتخيل ما وصلت اليه ألمانيا . كان الاساس في قياس الانجاز خلق فرص العمل والتشغيل فكل شيْ محسوب ، فأين نحن من هذا كله ؟
صدر مؤخرا تقرير المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان بعنوان "الأردن .. تراجع مضطرد في الحقوق الاقتصادية والاجتماعية”، وتحدث عن التحديات والظروف التي وصلت اليها الاردن إقتصاديا وإجتماعيا ،ونسبة البطالة التي وصلت 25 % وبالشباب 50%، وزيادة أعباء الدين العام ليصل اليوم الى 34 مليار دينار ما نسبته 108% من الناتج المحلي الاجمالي ، وإنتشار شبهات الفساد والتهرب الضريبي ، والمساس بشكل مباشر بحق الاردنيين في كرامة العيش والعمل والصحة والتعليم والمياه وغيرها والتي هي بالاصل مكفولة في القوانين المحلية والدولية ذات العلاقة مشيرا الى المادة 25 من الاعلان العالمي لحقوق الانسان ، وتراجع القطاع الصحي وهجرة المستثمرين الاردنيين الى دول اخرى وضرب مثلا أن 70 مصنعا إنتقلوا من الاردن الى مصر ، وتراجع حوالات المغتربين والدخل السياحي ، والبيروقراطية الواضحة في الاجراءات الحكومية ، والتحدي القائم في شُح المياه ، وإرتفاع معدلات الفقر الى 15.7% ، فأرتفعت النسبة 38% بين الاردنيين و 18% بين اللاجئيين السوريين ، وأن مليون اردني يعيشون تحت حد الفقر . أما عن فرص العمل فالاقتصاد الاردني يستطيع أن يستحدث 40 الف فرصة عمل مقابل ما يقارب دخول 100 الف باحث عن العمل سنويا. فماذا بعد؟
الصحيح لم يفاجئني التقرير ، فنحن أبناء الوطن ونعرف تماما أين الوجع ، فالوطن هو الانسان ، فدعونا نتسلح به وننشر الطاقة الايجابية، لنضع خط ونمشي ، لنقيس إنجازاتنا باليوم ونقول نحن أفضل من أمس . اليوم نحن في تعافي ، صادراتنا زادت بنسبة 23%، وحتى عند إستثناء البوتاس والفوسفات والفواكة والخضار الحية فإن نسبة الارتفاع زادت عن 25% ، أي أن عجلة الانتاج تسابق الزمن، وإرتفع الدخل السياحي على الرغم من أنه القطاع المنكوب فها هو الامل يعود ووصل الى 1.4 مليار $ ، احتياطنا النقدي من العملات الاجنبية وصل الى أعلى مستوى له على مدى تاريخ البنك المركزي ليصل الى قرابة 17 مليار $ ويغطي أكثر من 9 شهور ، الحدود السورية والعراقية فتحت وتبشر بالخير ، فما أجمل المنظر عند رؤية تزاحم الشاحنات والمركبات على المعابر الحدودية ، البرنامج الوطني للتشغيل بدءا من العام المقبل وخصص له 80 مليون دينار ، برنامج أولويات الحكومة وضع حيز التنفيذ وعلى المحك .
سيد البلاد وجه الحكومة لاتخاذ إجراءات واضحة وسريعة ليلمس المواطن والقطاع الخاص أثرها، على أن يتم تزويد جلالته بتقرير شهري عن تقدم سير العمل ، فقياس الانجاز على رادار جلالته ولا هَمَّ له إلا الوطن ، والوطن هو الانسان ، فالانسان أغلى ما نملك.
نَعَمْ … يستحق الوطن ان يكون هَمّكْ ، يستحق الانسان أن يكون هَمّكْ ، فهَمّكْ ما أهَمّكْ ، في كل خطوة ، في كل عمل ، لا تبتعد عن الوطن، دع الانجاز شعارك ، قُل ماذا أنجزت اليوم أفضل من أمس ، لا تسهو عن الوطن … فَكُلّنا الوَطنْ .
حمى الله الوطن قيادة وشعبا وأدام الله علينا نعمه .