وَزْنُ البيِّنة إحدى أهم مهارات القُضاة في المحاكم وإتقانها يحقِّق العدل بين الخصوم

نبض البلد -
نبض البلد -
 تزدحم قاعات المحاكم التَّابعة للمجلس القضائي يوميًا بشتى أنواع القضايا، والتي يبحث الخصوم فيها عن تحقيق العدل بينهم لكنَّ نظرهم معلَّق إلى القضاة وما يحملونه من أدوات معرفية وقانونية احترافية لإصدار الحُكم العدل بينهم، ومن بين أبرز هذه المهارات مهارة "وزن البينة".
وحضرت وكالة الانباء الأردنية (بترا) على مدار ثلاثة شهور عدَّة جلسات محاكمة تهم الرأي العام في قضايا النزاهة ومكافحة الفساد لدى محكمة صُلح جزاء عمَّان، ولاحظت انَّ القضاة يستخدمون دائما جملة تقول "سيتم تقدير انتاجية الشِّهادة عند وزن البينة"، وهي مهارة تحتاج من القضاة إلى قراءة كل ما يتعلق بالقضية والاستماع لكل الأطراف وتدقيق كل حرف فيها ووثيقة ليصل في النِّهاية إلى حكم عادل وفق البينات الثَّابتة للمحكمة.
وسألت (بترا)، قاضيين سابقين في المحاكم النظامية حول هذه المهارة وأجابوا بأنَّ القانون لم يأت على تعريف محدد أو وصف للأدوات اللازمة لوزن البينة في الدعوى القضائية وتقديرها، على أنَّ ذلك لا يمنع من إيضاح المقصود بالمهارة في وزن البينة وتقديرها، انطلاقاً من المعنى اللغوي لكلمة مهارة والتي تعني القدرة على أداء عمل بحذقٍ وبراعة وإذا ما حمل هذا المعنى ربطاً مع مسألة تقدير الأدلة ووزنها في الدعوى القضائية فيمكن القول بـأن المهارة تعني امتلاك الأدوات المعرفية والاحترافية في القواعد القانونية الموضوعية منها والاجرائية.
أول سيدة تشغل منصب قاضية في محكمة التمييز وعضوة مجلس الأعيان إحسان بركات، قالت لـ(بترا)، إنَّ القانون لم يأت على تعريف محدد أو وصف للأدوات اللازمة لوزن البينة في الدعوى القضائية وتقديرها، لكنَّ ذلك لا يمنع من إيضاح المقصود بها وتعني امتلاك الأدوات المعرفية والاحترافية في القواعد القانونية الموضوعية منها والاجرائية، وعليه يجب أن يكون القاضي عالماً، فاهماً، للقواعد القانونية وأصولها، ممتلكا للأدوات الاحترافية التي تقوم عليها عملية الربط بين القواعد القانونية الموضوعية التي تشكل مصادراً وأسباباً للحق، والقواعد الإجرائية التي تحكم الدعوى القضائية باعتبار أن هذه الأخيرة هي وسيلة القضاء في حماية الحقوق والحريات عن طريق اصدار الأحكام القضائية الملزمة التي تقرر الحق أو تحميه أو تمنع التعدي عليه.
وأكدت أنَّ من أهم المعطيات والعناصر التي تؤهل القاضي لامتلاك القدرة على وزن البينة وتقديرها في الدعوى تقوم بالأصل على إدراك أن القاضي هو أداة القضاء في تحقيق رسالته في فض المنازعات وحماية الحقوق والحريات بما يعني أن تتوفر في القاضي المؤهلات العلمية والمعرفية الملائمة لتولي منصب القضاء وتحقيق رسالة القضاء.
ولفتت إلى أنَّ الدعوى مدنية كانت أم عامة هي السلطة التي قررها القانون لصاحب الحق باللجوء بها إلى القضاء حماية لحق أو تقريره أو منع الاعتداء عليه فإن المعرفة بقواعد سير الدعوى واجراءاتها ولحين صدور الحكم الفاصل فيها تعتبر من أهم القدرات اللازمة لتحقيق مهارة تقدير الأدلة بحذقٍ وبراعة.
وأضافت أنَّ الحذق في الربط بين القواعد القانونية الموضوعية التي تحكم نشوء الحق وأسبابه وقواعد قبول الدعوى وإجراءاتها هي أساسيات لا بد من ادراكها واتقانها لإمكانية وزن الدليل وتقديره واستخلاص علة للحكم منه، ذلك أن الهدف من امتلاك المهارات القانونية بوزن الأدلة وتقديرها هو الوصول إلى حكم قضائي فاصل في نزاع قائم على علل واقعية تم استخلاصها بصورة صحيحة وسائغة ومقبولة عقلاً ومنطقا من دليل ثابت في ملف الدعوى وعللٍ قانونية قامت عليها الأسباب القانونية للحكم ربطاً مع العلل الواقعية.
وبينت أنَّه من الصَّعب وضع نموذج محدد لكيفية امتلاك القاضي للمهارة في تقدير البينة ووزنها لأنَّ هذه المسألة بالأساس ترتبط ارتباطاً وثيقاُ بالكفاءة اللازم توفرها في القاضي لتولي منصب القضاء على أنه يمكن من خلالها تكوين المهارة الاحترافية في وزن الأدلة وتقديرها والتي تتلخص بالتكوين الاحترافي للقاضي من خلال الإحاطة بالدعوى وما قامت عليه من وقائع شكلت أسباباً لها وما قدم فيها من أدلة لإثبات وقائعها وما قام عليه الدفاع بالدعوى من وقائع وأدلة قدمت لنفي الادعاء أو دحضه وتعتبر هذه المسألة واجب من واجبات المحكمة وواحدة من أساسيات التقاضي، وتجريد القواعد الأساسية التي تحكم أدلة الإثبات والمقصود بذلك أن من واجبات القاضي أن يضع نصب عينيه القواعد القانونية الأساسية التي تحكم تقدير أدلة الدعوى ومن ذلك مثلاً القاعدة المقررة في القانون المدني الأصل براءة الذمة.
وأكدت أنَّ هذه القاعدة تقوم عليها قرينة البراءة سواء كانت المسألة متعلقة بدعوى مدنية أو دعوى جزائية والأثر المترتب على هذه القاعدة أن المدعى عليه في الدعوى المدنية أو المشتكى عليه أو المتهم في الشكوى الجزائية لا يلزم بتقديم الدليل السلبي لإثبات براءة ذمته بما يعني أن عبء الإثبات يقوم على من ادعى خلاف الأصل ذلك أن القرينة القانونية تغني من تقررت لمصلحته عما سواها من البينات.
وشدَّدت على أنَّ على القاضي لتعزيز قدراته الاحترافية في تقدير الأدلة ووزنها الحرص على المطالعة والرجوع إلى المراجع الفقهية القانونية والاطلاع على كل جديد فيها ومتابعة الاجتهادات القضائية بشكل دائم ومستمر ذلك أن هذه المتابعة المستمرة تسهم في بناء وتطوير القدرات المعرفية والتي يمكن تحويلها إلى مهارات تطبيقية لإعادة انتاجها من قبل القاضي في التفكير والتدبير عند معالجته للفروض المعروضة عليه من خلال نزاع قضائي قائم أما عن التدريب المستمر فإن هذا الأمر يقع في نطاق الواجبات المؤسسية للسلطة القضائية من خلال توفير البرامج التدريبية والدورات والندوات وحلقات النقاش وتبادل الخبرات التي بدورها تثري معارف القاضي وتوسع آفاقه التي يستند إليها التكوين الاحترافي للعمل القانوني.
القاضي السابق لدى محكمة استئناف عمَّان الدكتور ثائر سعود العدوان قال لـ(بترا)، إن اجتهاد محكمة التمييز قد استقر على أن وزن البينة هو من صلاحيات محكمة الموضوع التي لها على مقتضى أحكام المادة 147 من قانون أصول المحاكمات الجزائية الحرية في الاقتناع بالدليل المقدم والاخذ به او طرحه كله او جزء منه إذا ما ساورها الشك فيه دون معقب عليها في ذلك.
وأضاف أنَّ هذا المبدأ له شروط وهي أن تكون النتائج التي تتوصل اليها سليم، وأن تكون قناعتها سائغة ومقبولة ومؤسسة على أدلة حقيقية مقدمة في الدعوى، بمعنى ان تكون ما توصلت اليه محكمة الموضوع مستخلصاً من ادلة تم الحصول عليها بصورة مشروعة ولها أصل ثابت في أوراق الدعوى وتناقش فيها الخصوم بصورة تتفق واحكام القانون على سبيل المثال ان لا يكون التفتيش الذي تم العثور من خلاله على أداة الجريمة باطلاً أي تم اخذ موافقة المدعى العام وهو رئيس الضابطة العدلية او جرى التفتيش إثر جرم مشهود، او على سبيل المثال ان تكون شهادة الشهود التي تم اعتماد الحكم عليها قد أخذت بالإكراه والتهديد.
ولفت إلى أنَّه من المهم للأخذ بالقناعة الوجدانية لمحكمة الموضوع ان تكون ما توصلت اليه من نتائج مقبولاً ومنسجماً مع هذه الأدلة المشروعة بحيث ان هذه الأدلة تؤدي وفق العقل والمنطق والمجرى العادي للأمور الى هذه النتائج، وفي حال توفر هذه الشروط لا يكون هناك معقب لمحكمة التمييز على هذه القناعة الوجدانية ولا تستطيع التدخل فيها وبعكس ذلك يكون هناك صلاحية لمحكمة التمييز للتدخل بهذه القناعة الوجدانية لمحكمة الموضوع بما يؤثر على سلامة النتائج التي آل اليها الحكم الذي جرى الطعن فيه بالتمييز.
وقال إنَّ دور القاضي المدني في وزن البينة يختلف عن دور القاضي الجزائي في وزنها ففي القضايا الجزائية تعتمد بالأساس على مبدأ القناعة الوجدانية للقاضي، ودور القاضي المدني في وزن البينة في القضايا المدنية يكون أقرب ما يكون الى دور المحكم ولا يستطيع ان يعتمد على قناعته الوجدانية في بناء الحكم، فما يحكمه هو الأدلة المقدمة من ادلة كتابية وشهادة شهود وخبرة ومعاينة والقرائن واليمين وهي الأدلة التي نص عليها قانون البينات.
وأشار إلى أنَّ الخبرة نوع من أنواع البينات في القضايا المدنية وفقاً للمادة 2 / 6 من قانون البينات، ولمحكمة الموضوع سلطة تقديرية في وزن البينة وترجيح بينة على أخرى ولا رقابة لمحكمة التمييز عليها وذلك وفقاً لشروط تتلخص في لزوم ان تكون النتيجة التي توصلت إليها محكمة الموضوع مستخلصة استخلاصا سائغاً ومقبولاً، ولزوم ان تكون النتيجة التي توصلت إليها محكمة الموضوع مستخلصة ومن بينة قانونية ثابتة ولها أساس في الدعوى وذلك وفقاً لأحكام المادتين 33 و 34 من قانون البينات.
وأكد أنَّ الاجتهاد القضائي قد استقر على أنه إذا ظهر فرق شاسع ما بين تقرير الخبرة المُعد أمام محكمة الدرجة الأولى وتقرير الخبرة المُعد أمام محكمة الاستئناف وجب على الاخيرة أن تُجري خبرة جديدة بمعرفة خبراء أكثر عدداً وأكثر خبرةً تحقيقاً للعدالة وإظهاراً الحقيقة.
وتشير الأرقام الرسمية الصَّادرة عن المجلس القضائي إلى أنَّ عدد القضاة العاملين في المحاكم النظامية يصل إلى نحو ألف قاض، ويتم تعيينهم وفق أسس ومعايير واضحة جدًا.