كلام في المحظور / حل الدولة الواحدة وحل الدولتين حل الكونفدرالية / الحلقة الثالثة
بعد ان تحدثت في الحلقتين الاوليتين ، عن مؤشرات هذه الحلول على الساحة الامريكية و الصهيونية والفلسطينية ، فسوف اتحدث عن مؤشراتها على الساحة الاردنية . والكل يعلم ان الجيش الاردني على تواضع اعداده وامكانياته في حرب الدفاع عن عروية فلسطين في عام ١٩٤٦ فقد تمكن من المحافظة عما اصطلح على تسميته فيما بعد بالضفة الغربية ومنها القدس الشريف والاماكن المقدسة فيه ، والتي وفي عام ١٩٥٠ تم تحقيق الوحدة بينها وبين دولة شرقي الاردن وتحت اسم المملكة الاردنية الهاشمية . وان هذا الامر استمر لغاية علم ١٩٦٧ حين سقطت كامل هذه المنطقة تحت سيطرة الكيان الصهيوني . و لم يرضى الاردن بهذا الاحتلال وبقي يعتبر هذه الاراضي جزءاً من الاراضي الاردنية حتى عام ١٩٧٤ حيث وفي قمة الرباط رضخ الاردن لطلب الدول العربية مجتمعة لاعتبار منظمة التحرير الفلسطينية الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني ، وما تبع ذلك من اتخاذ الاردن قرار فك الارتباط مع الضفة الغربية عام ١٩٨٨ .
الا انه ورغم ذلك بقي الاردن يعتبر القضية الفلسطينية قضيته الاساسية . ومنح ابناءها جوازات سفر اردنية مؤقته وكانت كل المساعدات للاهل في الضفة الغربية وحتى قطاع غزة تقدم من الاردن او من خلاله وعن طريق الجمعية الخيرية الهاشمية . كما قدم الاردن المظلة القانونية لمشاركة السلطة الوطنية الفلسطينية في مباحثات السلام التي عقدت في اسبانيا عام ١٩٩١ مع السلطات الصهيونية لرفضها التمثيل الفلسطيني الرسمي في هذه المباحثات . حيث كان الوفد الفلسطيني من ضمن الوفد الاردني لهذا المؤتمر . واستمر الوضع كذلك في مباحثات السلام بين الطرفين التي استؤنفت في الولايات المتحدة الاميركية . الى ان فوجئ الاردن باعلان اتفاقية اوسلو مابين السلطة الفلسطينية والكيان الصهيوني والتي وقعت بين الطرفين في الولايات المتحده الاميركية في عام ١٩٩٣ بعد مباحثات سرية حصلت بين الطرفين في النرويج ، دون ان يكون للاردن علماً بهذه المفاوضات ، وحتى دون علم اعضاء الوفد الفلسطيني والذي كان يشارك في مباحثات واشطن تحت المظلة الاردنية . وقد تبع ذلك توقيع اتفاق وادي عربة ما بين الاردن والكيان الصهيوني عام ١٩٩٤ .
وبعد توقيع هذه الاتفاقية فقد بقي الاردن على ثوابته سواء في عهد الملك الباني الحسين بن طلال ، او الملك المعزز عبدالله الثاني بن الحسين من حيث الاصرار على حل الدولتين . دولة يهودية ودولة فلسطينية وعلى حدود عام ١٩٦٧ وتكون القدس الشرقية عاصمتها . ورفض حل الدولة الواحدة او البديلة ،. ورفض الدولة الكنفدرالية الا اذا كانت بعد الاعلان عن الدولة الفلسطينية والاعتراف بها كدولة كاملة السيادة ، ثم وفي حال اجتمعت ارادة الشعبين الاردني والفلسطيني على تحقيقها . وان لا للتوطين ولا للتهجير ولا تنازل عن حقوق الفلسطينين في حق العودة او التعويض .
وبقي الأردن على مواقفه هذه امام الادارات الاميركية المتعاقبة ، وحتى مع تواجد ادارة ترامب والتي اضاف اليها رفضه لصفقة القرن ورفضه لاعتبار القدس عاصمة تاريخية وابدية لدولة اسرائيل ورفضه اقتطاع اي جزء من الاراضي الفلسطينية وضمها للكيان الصهيوني ، الامر الذي جعل علاقة الاردن مع هذه الادارة باردة وشبه منقطعة . ومما ادى الى عدم تمكن هذه الادارة من تطبيق صفقة القرن خلال ولايتها الاولى . ولذا فقد دعم الاردن الحزب الديمقراطي ومرشحه للرآسة جو بايدن ، لانه اعلن عن تمسكه بحل الدولتين وعن عزمه التراجع عن الكثير من القرارات التي اتخذها ترامب وادارته . وما ان نجح جو بايدن وادارته فقد اخذ الاردن يعد نفسه ليكون لاعباً رئيسياً في المرحلة القادمة . لذا فقد اعلن جلالة الملك عن تشكيل اللجنة الملكية التي عهد اليها النظر في التعديلات القانونية والدستورية على قانوني الانتخابات والاحزاب السياسية ليضع الاردن على الدرب الصحيح للديمقراطية . ثم قرر السفر الى واشنطن للتباحث مع ادارتها الجديدة في قضايا المنطقة كلها وعلى رأسها القضية الفلسطينية وبتكليف من العديد من زعماء تلك الدول .
الا انه وللاسف وكما سوف اتحدت لاحقاً فقد تعرضت اللجنة التي امر بتشكيلها للكثير من النقد والهجوم من قبل العديد من الاتجاهات والاحزاب والشخصيات الاردنية . كما طرحت المئات من مشاريع قانوني الانتخابات والاحزاب والتي كلها تتناقض مع بعضها وتشير الى انه قد لا يحصل اي اتفاق على نص لهذين القانونين ،. مما جعلني اكتب عدد من المقالات بعنوان هل حقاً يوجد من يريد الاصلاح في الاردن ؟
وعندما ذهب جلالة الملك الى الولايات المتحدة الاميركية ليكون اول زعيم عربي يلتقي مع هذه القيادة وليبحث مواضيع بمثل هذه الخطورة كان جل اهتمام الاعلام الخاص في الاردن هو تفسير لغة الجسد لتحكم من خلالها على نجاح او عدم نجاح زيارته هذه . وفيما ابدى بعضهم تفاؤلهم بلغة الجسد هذه ، ابدى الكثيرون تشاؤمهم ، وان هذه اللغة لم تكن توحي بنجاح هذه الزيارة والتي كانت بوجهة نظرهم مجرد زيارة بروتوكولية لم تطرح بها مواضيع جادة ودليلهم عدم اصطحاب جلالة الملك بعض الوزراء المعنيين في هذه الزيارة .
في حين ان الاهتمام العالمي بهذه الزيارة والتوقعات منها فاقت حدود الخيال . وان الاستقبال الذي حظي به جلالته من جميع المسؤولين الامريكيين من الرئيس الى نائبته ، ومن رئيس مجلس الشيوخ وكبار واعضائه ، ومن رئيسة الكونجرس وكبار اعضائه ، ومن القيادات العسكرية والسياسية الامريكية وعلى اعلى المستويات لم يحظى به احد من المسؤولين الذين زاروا الولايات المتحدة في عهد هذه الادارة الجديدة . بالاضافة الى التصريحات التي صدرت من جميع المسؤولين الذين قابلهم جلالته والذين لم يقابلهم ايضا والتي كانت تتحدث عن الدور الاردني الكبير والهام في المنطقة ، ودور جلالة الملك المعظم شخصياً به ، والذين ابدوا ثقتهم به وبامكانياته في معالجة قضايا المنطقة . اما عدم اصطحاب جلالة الملك لمسؤولين حكوميين في زيارته هذه فأن بامكاني ان استنتج اسبابها ولكن ليس من حقي ان اتحدث عنها .
ومما يثبت ان هناك من كان يعمل على افشال زيارة جلالته الملك ، هذه الدعوات التي انطلقت من اقطاب المعارضة الاردنية في الخارج التي دعت للتجمع و للتظاهر امام البيت الابيض في واشنطن للاحتجاج على هذه الزيارة كما سبق وان عملت هذه المعارضة اثناء زيارة جلالته للبيت الابيض عام ٢٠١٢ ، وان كانت الوقفة السابقة كانت تدعوا لاسقاط النظام ومن ترتيب وزيرة الخارجية الاميركية سيئة الذكر هيلاري كلينتون لكي تمارس ضغوطًا على جلالته من اجل التعاون معها في تنفيذ مخططاتها في الربيع العربي . فأن هذا التجمع كان له هدفان آخران وذلك من خلال الدعوة لوضع قانون انتخابات في الاردن يعطي للاردنيين من اصول فلسطينية تمثيلاً اكبر في مجلس النواب ومن خلال هتافهم لسمو الامير حمزة ورفع صورته في التجمع ، وهما الموضوعان اللذان سوف اربطهما بعنون هذه المقالات عن حل الدولة الواحدة او الدولتين او الدولة الكنفدرالية فيما تبقى من حديثي هذا . ولابين ان ما قامت به هذه المعارضات ليس امراً استعراضياً انما له اهداف وغايات وتقف خلفه قوى داخلية وخارجية ليس من المصلحة التحدث عنها الآن . ولكن المهم هي الصورة الهزيلة التي ظهر بها تجمع المعارضة هذه ، وما انتشر من فيديوهات عن خلافاتهم وتهجمهم على بعضهم وعدم ثقتهم في بعضهم . وفي المقابل كان هناك التجمع العفوي لابناء الجالية الاردنية هناك ممن تقاطروا على العاصمة الاميركية ليكونوا في استقبال جلالة الملك والترحيب به وتحية جلالته وولي عهده المحبوب بهم ، عندما امر بوقف السيارة التي كانت تقلهما بالقرب من تجمعهم ونزوله منها وولي عهده لشكرهم وتحيتهم وتبادل الحديث معهم . ثم ما قاموا به من التغطية على اصوات تجمع المعارضة الاردنية في الخارج بالهتاف لجلالة الملك والاردن . ورغم هذه الصورة المشرقة التي ابداها الاردنيين في الخارج الى ان البعض من الداخل ابى الا ان يحاول دس سمومه من خلال التقليل من اهمية تجمع الموالاة هذا ، والقول انه كان عبارة عن تمثيلية هزلية فاشلة لا داعي لها .