بهدوء
عمركلاب
ما الذي يجمع بين رشيدة طليب عضو الكونغرس الامريكي وبقية اعضاء الحزب الديمقراطي؟ وما الذي يجمع بين منصور عباس ونفتالي بينيت في الكنيست؟ بالضرورة هي المصالح والاهداف المقصودة, وعلى شدة الازمات التي تعصف بالبلاد وعلى شدة احاديث طبقة الساسة في الاردن عن ضرورة التغيير, الا اننا لا نجيد فهم معادلة المصالح في اللعبة الديمقراطية, فتجد انصار الفكرة الواحدة او التيار الواحد متفرقين وغير منسجمين, ولا يؤمنون بقاعدة التحالف لتحقيق المصالح, على عكس طبقة الحكم التي تتصالح لتنفيذ مصالحها.
منذ الخميس الفائت وانا اتلقى مكالمات ورسائل من انصار التحالف المدني, بعضهم وافق على ما جائت به المقالة وبعضهم بالضرورة رفض, لكن جميعهم اكدوا على الخلاصة بأن التحالف إنفرط عقده لتباين المصالح الذاتية بين اقطابه, مُلقين باللوم على شخصية انتهازية أفسدت الفكرة ونجحت تلك الشخصية الانتهازية في اللعب على خلافات وتناقضات الشخوص داخل التحالف, مؤكدين بان تلك الشخصية حظيت بدعم استثنائي من دوائر السلطة لتهشيم الفكرة.
لن أختلف مع الطرفين في التشخيص, فالطبقة السياسية في بلادنا بدون مواقف اخلاقية, ولا تنتمي الى مدرسة الموقف الاخلاقي, فنراهم اقرب الى عمال المياومة, من حيث فكرة الانتماء الى صاحب عمل ذاك اليوم, فرأينا كيف عجزنا عن التفريق بين الموقف الاخلاقي من النقابات المهنية وضرورتها, وبين الموقف من اعضاء هيئتها القيادية, فأنا لا اتفق مع المنهج السياسي لقيادة نقابة مثلا, لكنني لا يمكن ان اصمت عن اغتيال تلك النقابة, او تعطيلها, وربما لا اتفق مع رأي كثير من الحراكيين, لكن لا يمكن تبرير توقيفهم او اعتقالهم.
في العملية السياسية, المصالح تتصالح, لكن ازمة التيار المدني أن معظم رموزه قادمة من مدارس ايديولوجية, فأسقطوا النظرية الفكرية على الحالة, مشفوع ذلك كله بشخصانية عالية عند طبقة الساسة والمشتغلين بها, فهم على شدة احاديثهم عن الديمقراطية وضرورة وجودها في الحياة, يخاصمون من يخالفهم ويلعنون من ينتقدهم, باستثناء قلة قليلة لا تتجاوز عدد اصابع اليد الواحدة, ورأينا كيف فشل تيار مبادرة في توفيق الاراء مع التيار القومي في التحالف المدني ومع حزب اردن اقوى, ففشلت التجربة, ورأينا كيف عجز العقل العام داخل التحالف, في التوفيق بين مروان المعشر اكثر اعضاء التيار المدني ايمانا بالديمقراطية, وبين قيس زيادين ورمزي خوري.
هناك عشرات، وربما مئات أو آلاف الأفكار الجيدة، لكنها تظل مجرد أفكار ما لم تتحول إلى رؤية تربط هذه الأفكار ببعض، وتضع لها إطاراً يعكس رؤية يتذكرها الناس ويقبلون بها, "الرؤية" تكون ناجحة حين يستوعبها الناس، لدرجة أنهم يربطونها بقرارات وإجراءات على الأرض, وفى هذه الحالة يكون منطقياً أن يطلب القائد/ الحزب, من الناس أن يضحوا من أجل الفكرة, وبناء الرؤية ليست مسألة سهلة كما قد يبدو، لأن الحزب/التيار بحاجة إلى أن يبنى رؤيته على قيم هى أصلاً ذات وزن عالٍ عند أفراد المجتمع، ثم يتم صياغة هذه الرؤية فى كلمات محدّدة، ثم ترتبط الكلمات باستراتيجية تنفيذ, وعلى الحزب/ التيار أن يتأكد دائماً أن المحيطين به وشركاء التحالف يستوعبون تماماً هذه الرؤية ويستطيعون شرحها, وهذا غير متوفرفي تجاربنا الحزبية او التحالفات القائمة.
الشخصنة القائمة على وهم " الأنا الضخمة" ربما داخل عقل صاحبها فقط, هي سرّ تخلفنا, والسرّ الاكبر في عدم ايماننا بضرورة التحالف على نقاط محددة وليس التطابق او التبعية للبطل, سواء كان البطل فردا او فكرة او حزبا, ونكمل في القادم.
omarkallab@yahoo.com