خليل النظامي

خليل النظامي يكتب :-هل ستنجح عمليات الإصلاح السياسي بدون علاج للمنظومة الإعلامية

نبض البلد -
نبض البلد -يبدو أن أعمدة المطبخ السياسي الأردني ما زالوا يعتقدون أن الصحافة والاعلام مجرد اداة يتم تحريكها كيفما شاء متى شاء بالطريقة التي يشاء، ولم نراهم يوما يعتبرون هذا العلم والمهنة شريكا لهم على طاولة إدارة وصناعة القرار في الدولة، وتنظيم شؤون رعيتها والسلطات والتشريعات التي تحكم العلاقة فيما بينهم في مختلف القطاعات. 

وهذا الأمر ليس حصريا على مطبخ الدولة السياسي فقط، بل إن السلطة التنفيذية وما ينبثق عنها من مؤسسات والكثير ممن يدير تلك المؤسسات أيضا لا يعتبرون الصحافة والأعلام شركاء لهم في ادراة شؤونهم وشؤون العامة من الناس، فـ معظم الوزارات والمؤسسات الحكومية تتعامل مع الإعلام والمؤسسات الاعلامية على أنها مجرد أدوات لنقل انجازاتهم وفعالياتهم ونجاحاتهم، ومكيجة لـ بعض مواطن الفساد والترهل الموجودة في الكثير من هذه الوزارات، ولم نرى وزارة واحدة عبر التاريخ تعاملت مع الإعلام على أنه شريك لها، وهذا أمر مؤسف للغاية. 

ولا أحملهم الخطأ في هذا الأمر، وإنما أحملة للذين أخذوا على عاتقهم صناعة وبناء المنظومة الصحفية والاعلامية منذ نشوء الدولة الأردنية، ومن تبعهم تباعا من تلامذتهم ممن تولوا مناصب إدارات المؤسسات الإعلامية ومناصب لـ صناعة الاستراتيجيات الاعلامية للدولة الاردنية، خاصة اولئك الذين يدعون في كل الصالونات والمطارح أنهم من قاموا بتأسيس منظومة الاعلام في الاردن، ويسردون بطولاتهم أمام كل وجه جديد وحسن يقابلونه. 

فلو أجرينا مراجعة بسيطة لركائز المنظومة الاعلامية بشكليها السابق والحالي، فما الذي سنجده في قدرها، هل سنجد استراتيجية إعلامية واحدة،،؟
وإن وجدنا،،!!! هل سنجد استراتيجية اعلامية صنعت لـ دولة أم أننا سنجد مجرد استراتيجية منسوخة من دراسات علمية وأبحاث سابقة لـ طلبة دراسات عليا من دول الجوار تم سرقتها عن الشبكة العنكبوتية،،؟ أم أننا سنجد استراتيجية تعيدنا إلى ماض كان فيه رغيف الفلافل بـ "بريزه" في وقت كانت الفلافل فيه تعتبر من الكماليات للمواطن الأردني. 

السواد الأعظم يعتقد أننا حين نتحدث عن استراتيجية يكون قصدنا عن بعض البنود والتعليمات والأنظمة والشروط توزع على وسائل الاعلام الرسمية والخاصة للعمل بها وهنا الكارثة العظمى. 

إنما يا سادتي نتحدث عن مراكز الأبحاث والدراسات الإعلامية المتخصصة بــ كيفية وطبيعة الخطاب الإعلامي بين السلطات والجماهير، وبين النظام السياسي والسلطات، وبين النظام السياسي والجماهير، نتحدث عن صناعة جيش من الفكر والعلم مهامه خارج حدود الوطن لـ صد الغزو الخارجي ومواجهته بكل شجاعة، نتحدث عن صناعة خطاب إعلامي سياسي موحد، نتحدث عن أن الإعلام ليس أداة نقل بل شريك وشريك رئيسي في صناعة القرار في الدولة لأنه الأقرب وهمزة الوصل بين النظام السياسي والأنظمة السياسية الأخرى والسلطات المحلية من جهة وبين الجماهير والنظام السياسي من جهة أخرى. 

تحدث عن فن في إدارة الأزمات الداخلية والخارجية وكيفية ومن يواجهها، نتحدث عن فن يشخص ويحلل ويعالج بطريقته الخاصة عموم القضايا التي تشغل بال المواطنين على المستوى المحلي، نتحدث عن فن يعتبر من أخطر وأكثر الفنون فاعلية في كشف الفساد والترهل الإداري والمالي الموجود في المؤسسات العامة والخاصة إن منح حريته الحقيقية، نتحدث عن فن فاعل وبـ قوة كبيرة في تنظيم العمل الرسمي ومراقبة القائمين عليه ووضعهم أمام الجهات الرقابية. 

نتحدث عن فن الإقناع والإدراك لكل توجه عام بإستخدام "العقل والعاطفة والنص والصوت والصورة" حيث لا إستبداد في فرض الرأي بإستخدام القوة والترهيب، نتحدث عن فلسفة تقديم العقل على النص في حال تضاربا على طاولة السياسة، عن فن يدخل لـ عقول الشباب بـ كل سهولة وسلاسة ليصيرهم الى الطريق الصحيح لـ بناء مستقبلهم وبناء هذا الأردن الجميل العريق، نتحدث عن فن "حشري" بطبعه يتداخل وكل العلوم والمهن والمسؤوليات الموجودة على هذه البقعة الجغرافية من باب الإصلاح بإستخدام أدوات العلم والخبرة وطرح المشورة وتقبل الرأي الآخر وطلب الحوار معه. 

ومما يحزنني جدا، أن أرى وأقرأ عن تشكيل لجنة ملكية لـ تحديث وتطوير المنظومة السياسية في الأردن تخلو من عناصر رئيسية من فطاحل وأساتذة الصحافة والإعلام وفن الإدارة الإعلامية في الأردن، خاصة اولئك الذين عرف عنهم عظم خبرتهم في صناعة الإستراتيجيات وبناء الخطط الإعلامية، ومعرفة الطرق الفضلى لـ "سيكلوجية الجماهير" وما كانت وما أصبحت عليه منهجية التفكير لدى المواطنين، اولئك الذين أجروا الدراسات والأبحاث العلمية الإعلامية على التقسيمات والتصنيفات الفكرية والسياسية والإجتماعية لشرائح النسيج الإجتماعي الأردني، اولئك الذين يعلمون وبدقة كيف تكون لغة المخاطبة مع جيل الشباب الجديد والذي يشكل النسبة الأكبر من عموم سكان هذا الوطن الغالي، الذين بقوا مستمرين في مواكبة التطورات والتغيرات التي حصلت في العالم من النواحي العلمية والفكرية والتكنولوجية والسياسية والاقتصادية، اولئك الذين يمضون معظم أوقاتهم في محاولة فهم عجلة السياسة والاقتصاد السياسي المحلي والإقليمي والعالمي ومن أين تؤكل الكتف. 

في المقابل، اتسائل هنا، والجميع يعلم أن المنظومة الإعلامية في الأردن ومؤسساتها الرئيسية الهامة المهنية والتعليمية مصابة بإختلالات لا حصر لها أفقيا وطوليا، وكل هذا بسبب ما أحدثته منظومة رأس المال وأذرعها وعدم وجود جهات رقابية ذات حزم تشريعي لتنظيمها، والتداخلات التي تتم من الخارج والداخل، كيف ستخرج علينا مخرجات عمل اللجنة الملكية المشكلة نحن كـ شباب هذا الوطن، هل ستخرج علينا مخرجاتهم في بيانات صحفية تنشر في عدد من وسائل الاعلام فقط، أم عبر تصريحات منفردة في لقاءات متعددة من كل صوب وناحية عبر شاشات التلفزة..؟

أم أن هذه المخرجات تحتاج في البداية الى مصل لـ علاج منظومتنا الإعلامية ومؤسساتها من "الكورونا" الذي أصابها، ومن ثم استدعاء المتخصصين فيها لإجراء الدراسات والأبحاث على المستوى الذي وصل إلية عقل المواطن الأردني سياسيا واقتصاديا واجتماعيا، وحجم الدمار والتشوية الذي لحق به بسبب المدخلات العشوائية بسبب تعدد وتنوع مصادر المعلومة في هذا الفضاء التكنولوجي الواسع، تفضي هذه الدراسات الى بناء استراتيجية إعلامية تلد من رحمها عدد من الخطط الإعلامية لـ يتم العمل بها يدا بيد مع باقي المكونات وصولا الى الهدف الذي ننشده جميعا وهو "أردن أقوى". 


يا سادتي،، 
نحن كـ خريجي وأبناء لـ تخصص الصحافة والإعلام قد درسنا الإعلام فلسفة ونظرية، ولم ندرسه مضيعة للوقت والجهد، وعرفنا تمام المعرفة من خلال إطلاعنا على تجارب الدول المتقدمة كيف ومتى يصنع الإعلام دولا وشعوبا ويرتقي بها، ورأينا ما أحدث الإعلام في الحروب التاريخية وكيف هزمت الجيوش العظيمة، ودولا كبرى إنتصرت وإنهزمت بسبب سلاحي الصحافة والاعلام، واطلعنا على ما أحدث الإعلام بمصائر الأنظمة السياسية والشعوب، ووعينا طرق المخاطبة وكيفيتها وطبيعتها بين المكونات العامة والرئيسية للدول، حتى أصبحنا منتجين للمعرفة والفلسفة، ولسنا مجرد مارقين عبر هذا الزمان. 

نعم، نبحث عن الحرية والتحرر والتقدم والعدالة لشعبنا والرقي لدولتنا، ونريد حياة سياسية وحزبية ونبحث دوما عن سبل لنشر مفاهيم هذه الحياة وتدعيمها لترسيخها في أذهان الجيل الجديد، ولكن دوما تظهر لنا عوائق داخلية في منظومتنا يرافقها عوائق من كل صوب وناحية تحول دون تحقيق هدفنا ازاء ذلك، ولهذا نعتبر أنفسنا شركاء وصناع في القرار الذي يدير شؤون العامة في أردننا الغالي لا مجرد أدوات نقل من مكان لمكان تسير بحسب رغبة المعلن وتوجه الداعم، لهذا أنا حزين جدا على قلة الإهتمام في ما يحدث بالمنظومة الإعلامية التي يجب أن يكون بند إصلاحها ودعمها أبرز الأولويات على طاولة المطبخ السياسي الأردني ومن أهم أولويات عمل اللجنة الملكية الإصلاحية.