خليل النظامي
قد إعتدت على إرتياد المقاهي بشكل يومي حال الإنتهاء من العمل في صحيفتي أحتسي كوب من القهوة في جلسة استرخاء وتمعن في تفاصيل الشارع الشعبي خاصة في منطقة اللويبدة، حيث اعتدت الجلوس على طاولتي المخصصة في ركن باحة أحد المقاهي يطلق عليه إسم "طلة اللويبدة".
ومنذ أن أعلنت الحكومة عن قرار منع الأراجيل في المقاهي والمطاعم كإجراء إحترازي للحد من إنتشار فيروس الكورونا، وأنا أتابع وأرصد حركة الزبائن والناس على المقاهي والمطاعم، والتي وخلال فترة وجيزة من القرار أصبحت مهجورة لا يرتادها الا الزبائن الطيارة، الأمر الذي أجبر الكثير منها على الإغلاق وتسريح موظفيهم ولحقهم الكثير الكثير من الخسائر، ما أجبرني على توجيه إنقاد لاذع في وجه الحكومة في إحدى المؤتمرات الرئاسية حول إجراءات الكورونا.
ولكنني لم أكن أعرف أن الأرجيلة تعتبر عامود من أعمدة المداخيل المادية للمقاهي، ولم أكن أعلم أن المقاهي بدونها تخسر أكثر من ثلثي ربحها الصافي، ولم أكن أعلم أن الأرجيلة تعتبر عامل الجذب الرئيس للناس والزبائن في المقاهي والمطاعم، كما أنني لم أكن أعرف أن الأرجيلة تعتبر العصب الرئيس في حياة الشباب والشابات الأردنيين، حيث كنت أعتقد أنها مجرد تبغ مخلوط بإحدى النكهات زاكية الرائحة تحرق بـ فحم الليمون وتمنح المدخن لها مزاج وهمي مؤقت، ومظهر رمزي من خلال الدخان الكثيف المتطاير منه ومنها.
واليوم وبعد إعلان الحكومة عن قرار السماح للمقاهي والمطاعم بتقديم الأراجيل، قررت زيارة المقهى الذي أرتاده بالعادة في منطقة اللويبده كـ نوع من ممارسة منهجية الرصد على أرض الواقع في الميدان اثر القرار، وذهلت صدقا مما رأيت في المقاهي والمطاعم، والتي عادت تدب بها الحياة بشكل رهيب، لدرجة أنني لولا علاقتي بمالك المحل لم استطع من إيجاد طاولة للجلوس عليها.
وفي العادة عندما أجري الرصد في الميدان أجلس في مكان قريب من الزبائن او الناس يتيح لي سماع ما يتحدثون مع احترام خصوصياتهم وهذا من أخلاقياتنا كـ صحفيين، فـ جلست على طاولة قريبة من الزبائن، الأمر الذي ساعدني على سماعهم بـ مختلف شرائحهم الثقافية والعلمية والمهنية حول قرار الحكومة بالسماح بتقديم الاراجيل، الأمر الذي خلصت فيه الى نتيجة أن الأرجيلة فعلا تمثل أهم الأعمدة الاقتصادية في المقاهي والمطاعم، وعنصر مهم ورئيس سنفس فيه المواطنين عن كبتهم وغضبهم وحزنهم.
فمن هناك يقول أحدهم : "لولا قرار الحكومة اليوم لما خرجت من البيت"، وعلى تلك الطاولة تقول سيدة مثقفة : "وآخيرا سمحولنا نطلع نتنفس ونمارس حياتنا بشكل طبيعي يا شيخه"، وطاولة يجلس عليها جمع كبير من شباب وشابات إحدى الجامعات فرحين بالقرار وسمعت أحداهن تقول :" حجر وإنحجرنا، وسجن وإنسجنا، وغرامات ودفعنا، وكمامات ولبسنا، وتطعيم وإتطعمنا، هاتولي أرجيلتي يلااا".