الاول من تموز عام 2020 وما بعده .. الحلقة الاولى

نبض البلد -

منذ مدة من الزمن وانا افكر بالكتابة عن الخطة الامريكية الصهيونية لضم مناطق من الضفة الغربية الى الكيان الصهيوني والتي كان من المفروض ان يعلن نتنياهو عن تطبيقها في الاول من شهر تموز الحالي وما تبع ذلك من احداث . ولتعدد الاطراف وكثرة الاحداث ، فقد وجدت انه من الانسب ان اقسم مقالتي هذه الى عدة حلقات بلغ عددها ستة وسأعمل على نشرها يومياً وتباعاً . وسوف يكون موضوع الحلقة الاولى هو الموقف الامريكي .

فقد حرك هذا الاعلان الكثير من الخلافات داخل الولايات المتحدة الامريكية ما بين الحزب الجمهوري والحزب الديمقراطي ، كما ادى الى ظهور اختلاف في وجهات نظر معسكر ترامب وفريقه واضع صفقة القرن . فقد عارض الحزب الديمقراطي خطة ترامب نتنياهو بالنسبة للضفة الغربية واعتبر هذا الحزب ان هذا السيناريو سوف يقضي على حل الدولتين وعلى فرص احلال السلام النهائي بين الفلسطينيين والاسرائيليين والاستقرار بالمنطقة بشكل عام . وقد صرح المرشح الديمقراطي لرأسة الجمهورية الامريكية جو بايدن بأن على بلاده الضغط على إسرائيل لمنع فرض سيادتها على الضفة الغربية ومنطقة الاغوار وتعريض حل الدولتين للخطر

واضاف قائلاً انه اذا انتخب رئيساً فسوف يستأنف مساعدة الفلسطينين ويعيد فتح القنصلية الامريكية بالقدس الشرقية ويسعي لأعادة فتح مكاتب منظمة التحرير الفلسطينية في اشنطن ويعمل على إستئناف الحوار بين الطرفين الاسرائيلي والفلسطيني . وقال لقد كان من الخطأ نقل السفارة الامريكية من تل ابيب الى القدس واما وقد تم ذلك فأنه سيبقيها هناك ولن يعيدها الى تل ابيب . كما خاطب مسلمي الولايات المتحدة الامريكية مستنداً للحديث النبوي الشريف ( من رأى منكم منكراً فليغيره بيده فأن لم يستطع فبلسانه فأن لم يستطع فبقلبه ) نحن بحاجة لكم ، انا بحاجة لكم . كما تعهد ان تكون اول قراراته بعد فوزه انهاء القيود على دخول المسلمين للولايات المتحدة الامريكية .

وفي اجتماع افتراضي لجمع التبرعات وبمشاركة يهود امريكيين قال ان فرض السيادة الإسرائيلية على منطقة غور الاردن وأجزاء من الضفة الغربية سيضر بفرص التوصل الى سلام بين الطرفين ، وان الضم سيخنق فرص السلام ويقوض حل الدولتين . وقال انه لا يمكن لواشنطن ان تحمي إسرائيل بشكل كامل بدون سلام وان إسرائيل بحاجة الى الكف عن التهديد بالضم وعليها وقف بناء المستوطنات .

وفي تطور لاحق يبين مدى الخلافات بين الحزبين فيما يتعلق بقضية الضم فقد طالب اعضاء في المؤتمر العام للحزب الديمقراطي الامريكي بوقف الدعم العسكري المقدم لأسرائيل والبالغ 3,8 مليار دولار سنوياً وعلى مدى عشر سنوات في حال اقدمت الاخيرة على ضم مساحات من الضفة الغربية من ضمنها مناطق في غور الاردن اليها . وقال الاعضاء في وثيقة وجهوها لمؤتمر الحزب وقع عليها العشرات ( بصفتنا مندوبي اللجنة الوطنية الديمقراطية الى المؤتمر الوطني الديمقراطي 2020 فأننا ندعم حجب هذا المبلغ عن إسرائيل لأن حكومتها اعلنت نيتها ضم اراض فلسطينية من جانب واحد .

وطالبت الوثيقة اعضاء المؤتمر بدعم جهود النواب جابا بال وأوكاسيو وكورتينر ومالكولم ورشيده طليب والهان عمر وبيرني ساندرز ( المرشح السابق عن الحزب الديمقراطي لانتخابات الرآسة القادمة ) وآخرين من التجمع التقدمي للكونغرس الذين بعثوا رسالة لوزير الخارجية الامريكي يطالبون حكومة الولايات المتحدة بوضع شروط وقيود على ارسال المساعدات العسكرية لإسرائيل في حال استولت او سرقت غور الاردن في فلسطين .

وحثت الوثيقة الكونجرس على وقف هذه المساعدات كون هذا الضم الاحادي يخالف القانون الدولي ولن يؤدي الا الى تعريض الحل السلمي للصراع الإسرائيلي الفلسطيني للخطر .

صحيح ان ذلك لا يجعل من الحزب الديمقراطي حمامة السلام او انه اصبح نصيراً للقضية الفلسطينية ، وان ذلك قد لا يخرج عن نطاق صراع الحزبين في الانتخابات القادمة ومحاولة كل منهما جمع اكبر عدد من الاصوات ، ومحاولة من الحزب الديمقراطي لتسويق مرشحهه امام الرأي العام العالمي والاميركي والذي اخذ في انتقاد إجراءات وقرارات ترامب ، ومحاولة من هذا الحزب لكسب اصوات ودعم المسلمين بالاضافة الى اليهود الذين يعارضون هذا الضم . ولكن مما لا شك فيه فقد كان لهذا الموقف تأثيره على فريق ادارة ترامب الذي سارع الى عقد مداولات ومشاورات اسفرت عن الاتفاق على ارسال وفد رفيع المستوي الى دولة الكيان الصهيوني برآسة المبعوث الخاص للرئيس ترامب أفي بيركوفيتش والذي كان مستشاراً لجاريد كوشنير والذي عين مؤخراً بهذا المنصب خلفاً لمبعوثه السابق جيسون غرينبلات ( مع ان عمرة لا يتجاوز الثلاثين عاما ولا يملك اي خبرة سياسية او قانونية او عملية والذي وصف عند تعينه ان عمله لن يتجاوز تقديم القهوة لجاريد كوشنير ) وعضوية السفير الامريكي في اسرائيل ديفيد فريدمان ومسؤول لجنة الخرائط الامريكي سكوت فايت .

كما ظهرت انقسامات داخل ادارة ترامب حول موضع الضم وتاريخ تطبيقه وقد تمحورت هذه الانقسامات بثلاثة سيناريوهات . الاول ويطرحه فريدمان وهو اكثر افراد هذه الادارة تأيداً لعملية الضم والذي يدفع الى سرعة اعلان الكيان الصهيوني له تخوفاً من فشل ترامب في الانتخابات القادمة لأن هذا الفشل سيجعل عملية الضم صعبة بعد ذلك . اما الطرح الثاني فيمثله وزير الخارجية الامريكي مايك بومبيو والذي يرى ان امر ضم اراضي فلسطينية متروكاً لحكومة اسرائيل وان توسيع سيادتها امر تقرره هي والمستوطنين ، الا انه مع ذلك يركز على ضرورة إجراء اتصالات اقليمية قبل القيام بذلك . اما الطرح الثالث فقد طرحه كبير مستشاري ترامب وصهره وكبير مهندسي صفقة القرن جاريد كوشنير ، فهو يرى انه يجب التعامل مع صفقة القرن كحزمة كاملة بحيث يترافق الضم مع اعلان قيام الدويلة الفسطينية حسب ما ورد في الصفقة ، وانه يخشى انه في حال اعلان اسرائيل ضم مناطق في الضفة الغربية ان يدفع ذلك دولاً في الاتحاد الاوروبي ودولا أخرى الى اعلان اعترافها بالدولة الفلسطينية . كما انه يفضل استخدام الضم كسلاح يضغط به على الفلسطينيين للموافقة على الصفقة كاملة . وانه يفضل ان تبقى هذه الورقة سلاحاً بيد ترامب في الانتخابات القادمة لكي يكسب الصوت اليهودي المتشدد حيث انه هو الوحيد القادر على الموافقة والاعتراف بأجراء الضم ، وانه اذا تم الضم قبل الانتخابات فأن ترامب سوف يفقد هذا السلاح بعد ان تكون اسرائيل قد حققت كل ما تريده بهذه المرحلة . ويعتقد ان هذا كله كان وراء عدم اعلان نتنياهو لقرار الضم في حينه بالاضافة الى الخلافات الداخلية في كيانه والتي سوف اتعرض لها بالحلقة الثانية

ويبقى الموقف الغامض في الادارة الامريكية هو موقف الرئيس ترامب والذي لا يمكن لاحد ان يتوقع ماذا سيكون موقفه وقراره في هذا الموضوع والذي سوف يتأثر بموقفه الانتخابي خلال الفترة القصيرة القادمة والذي يقود الآن حرباً شرسة على منافسه الديمقراطي جو بايدن يستخدم بها كل الاسلحة المشروعة وغير المشروعة ، فهو وبعد ان شعر بانخفاض شعبيته فأنه يعمل على استعادتها وبطريقته الخاصة ومن ذلك تصعيد حربه وصراعه مع الصين وتصوير انها تمثل اكبر خطر على بلاده وانه هو القادر على التصدي لهذا الخطر ، في حين انه يتهم منافسه بالضعف وعدم القدرة على التصدي له . واتهام الصين بأنها وراء انتشار فيروس كورونا وتسمية الفيروس الصيني ، وسعيه لتحقيق نصر على هذا الفيروس من خلال ايجاد مصل مضاد له خلال الشهر القادم ونسبة هذا الفضل له ولبلده كونه كان قد وعد الشعب الاميركي بتحقيق ذلك خلال الشهر القادم . كما انه اصدر عدة قرارات في الفترة الاخيرة في سبيل زيادة شعبيته عند الاقليات الأثينية التي اخذت تناصبه العداء مثل مشروع فرض عقوبات اقتصادية بحق بعض المسؤولين الصنيين لاضهادها وقمعها للمسلمين الإغور وكأن هذا الإطهاد والقمع لم يحدث قبل الآن قبل ان يعلن تراجعه عن هذا المشروع كونه وقع اتفاقاً تجارياً رئيسياً م الصين يتضمن مشتريات بما يساوي 250 مليار دولار . ومن ذلك ايضاً توقيعه على تشريع يفرض عقوبات على الصين بحجة رفضه لقانون الأمن القومي الذي فرضته الصين عليها بحجة انه يقوض استقلالها كما وقع أمراً تنفيذيا لإنهاء تمتع هونج كونج بالمعاملة التفضيلية التي كانت تتمع بها منذ فترة طويلة من الوقت وانه سيتم التعامل معها بنفس الطريقة التي يتم بها التعامل مع الصين . ومثل تغيير مواقفه السابقة من منع الآف الطلبة الاجانب من البقاء في اميركا متابعة دراستهم عن بعد بسبب جائحة كورونا والسماح لهم بالبقاء فيها . والسماح لابناء المهاجرين غير الشرعيين في اميركا والذين ولدوا وعاشوا فيها لسنين طويلة بالحصول على الجنسية الامريكية . وبنفس الوقت السير قدماً ببناء الجدار الفاصل ما بين اميركا والمكسيك والذي تم الانتهاء من قسم منه والتعهد بأستكماله اذا تم انتخابه مرة اخرى وتهجمه المستمر على المهاجرين غير الشرعيين لكسب اصوات القوميين الامريكيين المتشددين والمعاديين لهذه الهجرة .

كل ذلك جعله يتوقف عن دعم خطة الضم الاسرائيلية في الوقت الحالى لما ثار في وجهها من اعتراضات دولية والخلافات التي حصلت داخل الادارة الامريكية وداخل الحكومة الأسرائيلية حول كيفية تطبيقها مما جعله يدعم وجهة نظر صهره جاريد كوشنير بان الضم يحب ان يرتبط بتطبيق باقي بنود صفقة القرن وبالتنسيق مع دول المنطقة وان يكون ذلك من خلال اتفاق طرفي الحكومة الإسرائيلية على تفاصيل خطة الضم . ولكنه ومع ذلك فأنه لا يستبعد منه وفي اي لحظة من اللحظات من ان يقوم بأعطاء الحكومة الإسرائيلية الضوء الاخضر لتنفيذ خطة الضم اذا وجد ان ذلك قد يخدم حملته الانتخابية .

الا انه مما لا شك به ان الموقف الامريكي اتجاه الضم اصبح اكثر برودة عما كان عليه سابقاً ومن المرجح انه اذا لم يتم الضم منذ الآن وحتى نهاية شهر ايلول القادم فأن ترامب على الاغلب سيكون مشغولاً في الانتخابات الامريكية وسوف يكون حريصاً في اتخاذ اي قرارات قد تؤثر على فرصه بالنجاح بهذه الانتخابات .

يتبع الحلقة الثانية عن موقف الكيان الصهيوني..