نبض البلد -
مما لا شك فيه ان الرئيس التركي رجب طيب اردوغان تحول الى ظاهرة مميزة تستحق الدراسة والتقييم .
ومن الملاحظ ان اردوغان يتمتع بشعبية طاغية لدى الشعب الاردني وحتى بين نخبه . في حين ان البعض يقف على النقيض من ذلك ولهم مواقف سلبية منه . ولكلا الطرفين اسبابه ودوافعه لأتخاذ هذا الموقف او ذاك منه .
وفي البداية لا بد ان اوضح ان تركيا هي دولة صديقة للاردن ويوجد تعاون تجاري وانسجام سياسي بينهما . ولكن لابد من التوضيح ان اعلى نسبة تصويت حصل عليها اردوغان في الانتخابات او الأستفتاءات هي 51 % . اي ان ما نسبته 49 % من الشعب التركي يعارضون اردوغان وسياساته ولكن هذه هي الديمقراطية والتي تعطيه حق السلطة فيها . وهذا ما لانناقشه وان كان هناك نقاش حول تطويع الديمقراطية لخدمة اهداف غير ديمقراطية . ولكن مشكلة انصار اردوغان انهم لا يقرون بحق أحد من الاردنيين بمعارضة اردوغان مع ان هذه المعارضة هي حق لكل اردني كما هي حق لكل تركي وان هذه المعارضة لا تعني بالضرورة معادة الدولة التركية ولكن الاختلاف مع بعض سياسات واساليب اردوغان .
الاردوغانيون كما سوف اسميهم يعشقونه لعدة اسباب واهمها الكاريزما القوية التي يتمتع بها وقدرته على الخطابة والضرب على الاوتار الحساسة لدى من يستمع لخطاباته وخاصة عندما يتحدث بلسان الزعيم المسلم والذي يدافع عن المسلمين ويجيد تجويد القرآن وتلاوته ويناصر تنظيمات الاسلام السياسي على مختلف تصنيفاتها . بالاضافة لمواقفه المعلنة من القضية الفلسطينية ومناصرته للحق الفلسطيني ولدعمه لغزة وصمودها . بالاضافة الى ذلك ما حققه لتركيا من تقدم وازدهار وقوة مما وضعها في مصاف الدول الكبرى .
ولكن معارضي اردوغان يرون ان الصورة التي رسمها اردوغان لنفسه تخالف الواقع بل تتناقض معه وهم يرون ان كل ذلك هو سلاح بيده لتقوية نفوذه وتوسيع صلاحياته . فهو بالرغم من مواقفه الاسلامية الا انه لا يتنكر للعلمانية التركية الاتاتوركية ويعتبر نفسه من اتباعها وانه يستخدم الدين الاسلامي سلاحاً بيده . وهو بالرغم من مناصرته للقضية الفلسطينية وتهجمه على الدولة الصهيونية والى درجة تجميد العلاقات الدبلوماسية معها على خلفية حادث السفينة مافي مرمرة فأنه في الواقع لم يجمد العلاقات الاقتصادية والعسكرية مع الدولة الصهيونية في اي يوم من الايام ، بل تعتبر هذه العلاقات هي الاعلى درجة مع هذا الكيان من بين دول المنطقة كلها .
كما وانه وبعد ان أعاد تطبيع علاقاته الاقتصادية مع دولة الصهاينة في الفترة الاخيرة بعد اعلانها اعتذارها عن حادثة السفينة ودفعها تعويضات لذوي الضحايا صرح وقال ان تركيا لا تستطيع ان تستغني عن علاقتها بأسرائيل كما ان اسرائيل لا تستطيع ان تستغني عن علاقتها بتركيا ، كما يتهمه معارضيه بأنه يوظف مواقفه بالنسبة للقضية الفلسطينية للترويج لنفسه .
اما بالنسبة لدعم اردوغان لاحداث الربيع العربي ولتنظيمات الاسلام السياسي فأن هذا الامر بالنسبة لمحبيه ومريديه موقف بطولة ومن اجل مصلحة شعوب هذه الدول التي تدخل بها وتخليصها من حكامها الفاسدين ودعم التوجهات الاسلامية بها . اما من وجهة نظر معارضيه فأنهم يرون انه قام كذلك بدعم التنظيمات الارهابية مثل تنظيم القاعدة وتنظيم داعش وخاصة في سورية والعراق والآن في ليبيا وهم يعتبرونه من المسؤولين عما حصل في سورية عندما قام هو وعدداً من الدول العالمية والعربية بالعمل على عسكرة الاحتجاجات بسورية بعد ان واجهتها السلطة بالحل الامني وتحويلها الى حرب اهلية اكلت الاخضر واليابس وتوزعت مسؤوليتها ما بين النظام وداعميه والمعارضة وداعميها .
وهذا هو نفس الدور الذي يلعبه حالياً في ليبيا عندما تدخل بشؤونها الداخلية بحجة الدفاع عن الحكومة المعترف بها دوليا والتي تم انزالها على السواحل الليبية بالسفن الاوروبية . ولكون تيارات الاسلام السياسي فيها قامت بدعم هذه الحكومة في وجه حكومة طبرق .
وقد قام بارسال قواته المسلحة واسلحته لدعم هذه الحكومة بل وجند لها اكثر من عشرة الاف مقاتل مرتزق من تنظيمات المعارضة السورية وارسلهم الى ليبيا لدعم قواته و قوات حكومة الوفاق بالرغم من حاجة المعارضة السورية لهم فيها ، مع عدم انكاري ان حكومة طبرق ايضاً تجند المرتزقة ايضاً للقتال لصالحها وانها تحصل على دعم ومساندة مالية وعسكرية من عدة دول عربية وغربية . والحقيقة ان اردوغان يعتبر ان مليون ليبي هم من اصول عثمانية وانه من واجبه الدفاع عنهم كما صرح هو بذلك . وهذا مؤشر على اهدافه الحقيقية من تدخله في ليبيا وبقية الدول العربية التي كانت تحت مظلة الدولة العثمانية . والاهم من ذلك انه وعن طريق دعمه لحكومة الوفاق فقد قام بترسيم الحدود ما بين تركيا وليبيا والتي لا توجد حدود مشتركة بينهما اصلاً وذلك عن طريق تقسيم قسم من البحر الابيض المتوسط مابينهما بحيث يكون القسم الاكبر منه تحت سيطرة تركيا والقسم الاقل تحت سيطرة ليبيا بغض النظر عن حقوق الدول الأخرى المشاطئة لهذا البحر ، وذلك للحصول على الحصة الكبرى من الثروة الغازية والبترولية فيه وقيامه بالتنقيب عنهما في القسم المخصص لليبيا وقرب الشواطئ القبرصية . اي ان تدخله في ليبيا في نظر معارضيه الهدف منه هو السيطرة على ثروات البحر الابيض المتوسط واعادة مجد الامبراطورية العثمانية ولهذا السبب ايضاً له قوات في سورية والعراق وليبيا وله قاعدة عسكرية كبيرة في قطر . كما توجد له قاعدة عسكرية في الصومال على مقربة من باب المندب وكان يعمل على بناء قاعدة عسكرية في جزيرة مساكن التابعة للسودان بعد ان قام بأستأجارها من الحكومة السودانية كونها كانت قاعدة بحرية عسكرية عثمانية في السابق . ولكن اسقاط حكم عمر البشير عطل استكمال بناء هذه القاعدة ولو مؤقتاً . وهو بذلك يرسم دائرة عسكرية تحيط بدول المنطقة .
في حين يرد مريدوه انه من حقه ان يعمل على خدمة دولته وشعبه وانه نجح في ذلك ومن حقه ان يعمل على اعادة امجاد الدولة العثمانية وعندما كان العالم الاسلامي يحكم من قبل الخليفة العثماني ، وكثيرون منهم يتمنون ان يتمكن من ذلك وان يعيد بناء دولة الخلافة الاسلامية ويتغنون بأمجادها . ويرد عليهم منتقديه صحيح انه جعل من تركيا قوة عظيمة ولكن اطماعه ورغبته بفرد سيطرته على دول المنطقة قد ورط تركيا في حروب وصراعات ليست حروبها ولا صراعاتها وانه خلق لها العديد من الاعداء . كما يردون عليهم بأن العثمانيين قد اغتصبوا الخلافة الاسلامية بعد احتلالهم لمصر ونزعها من الخليفة العباسي الذي كان يقيم بها ولا يمارس اية سلطة على العالم الاسلامي بصفته خليفة المسلمين لأن الخلافة الاسلامية ودولتها والتي كانت تتم عن طريق البيعة قد انتهت مع نهاية عهد الخلفاء الراشدين ، وانهم فعلوا ذلك لكي يكسبوا السلطة الدينية الى جوار السلطة العسكرية والسياسية والدليل على ذلك انهم كانوا يستخدمون لقب السلطان وليس الخليفة ، وانه وعلى مدى خمسمائة سنة من الحكم العثماني لبلادنا لا نجد اثراً يدل على وجودهم سوى الخط الحديدي الحجازي والجسور والانفاق التي اقيمت في طريقه بالاضافة الى بعض المواقع العسكرية ومراكز الحكم ودوائره وبيوت الولاة العثمانيين او من كانوا يساندونهم في حكمهم من اهل البلاد وهي في مجملها قليلة جداً . في حين اننا لا نزال نشاهد ما تركته الامم التي حكمت بلادنا ومنذ آلآف السنين منتشرة وظاهرة في كل بقعة من بقاع الاردن .
وسوف يرد الاردوغانيون ان العثمانيون دافعوا عن العالم الاسلامي في وجه المد الفارسي والصفوي والصليبيى . ويرد عليهم معارضوه انهم انما كانوا يسعون الى زيادة رقعة دولتهم وفرض سيطرتهم على اوسع رقعة من الارض وليحصلوا على الضرائب والغنائم والجواري .
ويرد الاردوغانيون ان الدول الاسلامية كانت موحدة تحت حكم العثمانيين وانها بعدهم قد تم تقسيمها الى دول ودويلات متعددة . ويرد عليهم معارضيه انه وان كان ذلك حقيقة فأن الدول الاسلامية تحت حكم العثمانين كانت متخلفة ومستغلة لصالح السلطنة مما ادى الى الخروج عن طاعتها والتعاون مع قوات الحلفاء في حربها معها على امل ان يستقلوا بحكم بلادهم ولكن دول الحلفاء تآمرت عليهم واستعمرتهم ثم قسمتهم الى دول متعدددة .
وسيقول الاردوغانيون ان اردوغان وصل الى الحكم بطريقة ديمقراطية ومن خلال صناديق الاقتراع ويرد عليهم معارضوه انه استغل الديمقراطية لتقوية نفوذه وسيطرته واضعاف كل احزاب المعارضة وتهميشها . ثم استغل المحاولة الانقلابية الصبيانية لكي يزح في السجن او يفصل من العمل مئات آلاف الاترك من معارضيه بحجة انهم قد شاركوا بالعملية الانقلابية وانهم من انصار الداعية فتح الله جولن والذي لولا دعمه لاردوغان في البداية لما وصل الى مقاعد الحكم ، وان مسلسل الاعتقالات والفصل عن العمل ما زال مستمراً حتى الآن وعلى طريقة المسلسلات التركية التي تبدء ولا تنتهي وبنفس التهمة وهي المشاركة في الانقلاب والتي اصبحت تهمة كل من يعارض اردوغان في تركيا او كما يقال تهمة من لا تهمة له وبحيث اضعف اية معارضة له حتى المعارضة الشرعية والممثلة في البرلمان التركي وحتى انها شملت اقرب المقربين اليه من اركان حزبه بعد ان شعر بخطرهم على مركزه وصلاحياته .
وسوف يرد الاردوغانيين بالقول يكفي ان اردوغان ونظام حكمه يخلو من الفساد ويرد عليهم معارضوه ان كثيراً من تهم الفساد قد وجهت لاركان حكم اردوغان وحتى الى ابنه بلال وانه يمكن الرجوع الى ما كتبه احمد داوود اوغلو والذي كان مستثاراً لاردوغان ثم وزير خارجيته ثم رئيس وزرائه بعد ان نجح اردوغان بفرض النظام الرآسي في تركيا وجعل السلطة كلها بيده كرئيس للجمهورية ولمجلس الوزراء وقائداً أعلى للقوات المسلحة وبنفس الوقت رئيس حزبه التنمية والعدالة بعد ان كان يشترط على ان من يشغل منصب رئيس الجمهورية في تركيا ان يستقيل من عضوية حزبه كونه اصبح رئيساً لكل الاتراك .
وهكذا سنجد الكثير من النقاط التي يستند اليها الاردوغانيون في حبهم له وسنجد الكثير من النقاط التي يستند اليها معارضوه في معارضتهم له . وهي اكثر من ان تحصر في هذا المجال . وسيبقى اردوغان وما يقوم به مجالاً لإثارة النقاش والجدال حوله وخاصة ان الكثيرين من مريديه رفعوا من شأنه وجعلوا منه شيئاً مقدساً لا يجوز الاقتراب منه او انتقاده ، واصبحوا يكيلون اقذع التهم لكل من يقوم بذلك ولو بكلمة لا تتجاوز ثلاثة احرف . فيما معارضوه اصبحوا ينظرون اليه كخطر يهدد المنطقة وانه يعمل على اعادتها لتكون تابعة لدولته العثمانية .
ولسوف يظل هذا السجال قائماً ما بين انصار اردوغان ومعارضيه لطالما بقي على رأس السلطة في تركيا