د. غيث ناصر العيطان
إن الفيروس التاجي كوفيد-19 له تأثير عميق وخطير على الاقتصاد العالمي والأسواق المالية العالمية، وإن صناع السياسات يبحثون عن طرق للاستجابة في جميع مجالات الحياة اقتصاديا وسياسيا واجتماعيا، إذ تم توجيه مراكز دعم الأبحاث جميعها لدعم العلماء والباحثين من قبل صُنّاع السياسات لإيجاد حلول ناجعة لمواجهة الأخطار المحتملة لكوفيد_19 في مناحي الحياة المختلفة. وإن تجربة الصين في مواجهة هذه الجائحة حتى الآن في اتخاذ السياسات الصحيحة تحدث فرقا كبيرا في مكافحة كوفيد-19 والتقليل من آثاره، لكن مقابل مقايضات اقتصادية صعبة، في أن النجاح في احتواء الفيروس التاجي يأتي على حساب تباطؤ النشاط الاقتصادي العالمي، بغض النظر عما إذا كان –اجتماعيا- الابتعاد والحد من التنقل والحركة هي طواعية أو مفروضة.
إن العديد من صانعي السياسات في دول العالم نفذوا قيودا صارمة على الحركة، وحظر التجول الصارم على مواطنيها، لكن المقايضة هنا لم تكن مخاطرها عالية مقارنة مع المساهمة في إبطاء انتشار المرض والسيطرة عليه.
ويضاف إلى ذلك ما قد تم اتخاذه من العديد من الإجراءات التحفيزية الاقتصادية من قبل العديد من دول العالم، فعلى سبيل المثال : البنك المركزي الأردني، إذ ضخ سيولة إضافية لاقتصاد الأردن الوطني بقيمة 1050 مليون دينار، لكن صغار المستثمرين الذين يمتلكون محافظ استثمارية فيها مدخراتهم القليلة، يخشون تأثير مخاطر هذه الأزمة، خاصة أن أسعار الفائدة تراجعت، فأصبح عليهم إدارة هذه المحافظ الاستثمارية في السوق المالية لتحقيق عائد لهم أكثر مقارنة مع عائد البنوك من أجل المحافظة على مدخراتهم والتقليل من مخاطر النظامية.
إن الحكومة الأردنية علقت التداول في بورصة عمان منذ يوم الثلاثاء17/3/2020 إلى إشعار آخر، فهبط السوق في الأيام الأخيرة وأغلق مؤشر بورصة عمان في نهاية التداولات يوم الخميس عند أدنى نقطة منذ ديسمبر 2003، واضطرت البورصة إلى خفض حدود التداول وجلسات التداول بعد ساعات من انخفاض أحجام التداول لهذا اليوم.
وانخفضت القيمة السوقية للسوق بنحو 2 في المائة إلى 14.14 مليار دينار (19.7 مليار دولار)، وهي مستويات لم تشهدها منذ عام 2005. ولقد تأثرت عدة قطاعات في بورصة عمان سلبا نتيجة الأزمة العالمية بشكل مباشر، مثل القطاع المالي 4.44 بالمائة، مع تراجع البطاقات العالمية متصدرا الخاسرين بالسوق في اليوم الأول بنسبة 8.33 بالمائة، وبنك الإسكان 7.34 بالمائة، والبنك الإسلامي الأردني 6.93 بالمائة، والتجمعات الاستثمارية 6.81 بالمائة، والبنك العربي 6.39 بالمائة.
وانخفض مؤشر قطاع الخدمات بنسبة 3.97 بالمائة، وتراجع الأسواق الحرة 7.46 بالمائة، وجوبترول 7.39 بالمائة، والخطوط البحرية الأردنية 6.21 بالمائة.
وكان قطاع الصناعة أقل القطاعات تراجعًا بنسبة 3.58 بالمائة؛ مع انخفاض الإقبال للاستثمار 6.44 بالمائة، وهبط مناجم الفوسفات 4.81 بالمائة.
إن التأثير على أداء أسهم البنوك الفترة القادمة غير واضح سواء من ناحية قدرتها على جذب مزيد من الودائع الفترة القادمة مع تراجع أسعار الفائدة وزيادة معدلات الإقراض بشكل أكبر، أو تأثير أداء محافظها في الأسواق المالية هذا العام.
ولكن هناك بعض الأسهم في القطاع التي من المتوقع أن يكون أدائها مميزا حتى في ظل حالة عدم الاستقرار الحالية، مثل : قطاعات الأغذية في البورصة التي من المتوقع أن تحقق أداء ماليا جيدا خلال 2020 لسببين مهمين : أننا على أعتاب شهر رمضان المبارك، وهو ما يعني مزيدا من الاستهلاك، بالإضافة إلى حظر التجول الذي يميل خلاله المواطنون إلى مزيد من شراء الأغذية، مما يعني مزيدا من الاستهلاك، لذلك فإن أداء شركات المواد الغذائية سيكون مستقراً.
كما أن هناك أيضا شركات الكيماويات المنتجة للمطهرات والمعقمات التي تواجه زيادة في الطلب على منتجاتها الرئيسة لأغراض التعقيم في الفترة القادمة، فإذا كان لديها القدرة على تلبية الطلب الكبير فمن المتوقع أن تشهد أداء جيدا في مركزها المالي في الفترة القادمة .
وهناك قطاع آخر هو الرعاية الصحية والأدوية، ففي ظل هذه الأزمة فإنه من المعتقد أن يكون القطاع جذابا للغاية في ظل استقرار ربحية القطاع، بالإضافة إلى التوزيعات المستقرة له على مدار السنوات السابقة.
وقطاعات أخرى مثل قطاع الاتصالات في ظل حظر التجوال، فأن الطلب على الإنترنت قوي للغاية.
ولذا يوصَى توجه المستثمرين إلى أسهم القيمة بدلًا من أسهم النمو، وهو ما يسمى بالتوجه الاستثماري بالقطاعات الدفاعية والمحافظة على رأس المال من خلال استثمار في قطاعات الأسهم الدفاعية للفترة القادمة.
ويمكن وصف الاستثمار في الأسهم الدفاعية بالسياسة التي يمكن للمستثمر اتباعها للحد من مخاطر الاستثمار في سوق الأسهم، فإن من أبرز الأسهم العاملة في القطاعات الدفاعية وأبرزها في هذه الفترة هي أسهم شركات الأغذية والمشروبات والرعاية الصحية والصناعات الدوائية والاتصالات، وتُعدّ الأكثر أمانًا في أوقات التقلبات الاقتصادية الصعبة وبالغة الخطورة.
إن هناك عدة أسباب لتوجه المستثمرين للقطاعات الدفاعية؛ أبرزها : عامل الخوف من حدوث ركود اقتصادي، وعدم الاستقرار والتأكد المرتبطة بالتوترات التجارية، فالمستثمرون لا يزالون متخوفين مما يحدث اليوم في الحرب التجارية، وانعكاساتها على مؤشرات الاقتصاد العالمي، واستمرار التوقعات السلبية لصندوق النقد الدولي والبنك الدولي فيما يتعلق بالمشهد الاقتصادي العالمي بالسنوات المقبلة.