نبض البلد - لم يعد المراهق اليوم يبحث عن هويته في البيت أو المدرسة، بل على شاشة مضيئة تختصر العالم كله في دقائق. السوشيال ميديا أصبحت المربي الأول، والمؤثرون صاروا المرجع الأقرب لعقول صغيرة تبحث عن قدوة، حتى لو كانت هذه القدوة مجرد شخص يلهث خلف "لايك” جديد. وفي ظل هذا الواقع، بدأت التربية الحديثة تتراجع، ليس لأنها ضعيفة، بل لأن منصات التواصل تسابق الأهل في كسب انتباه أبنائهم. لم يعد هناك وقت للحوار، ولا جلسة عائلية بلا هاتف، ولا حدود واضحة بين ما هو صحيح وما هو مجرد ترند مؤقت. ضعف الوازع الديني، وضياع المعايير، والحرية المطلقة في استخدام الهواتف جعلت المراهق يعيش في عالم بلا ضوابط، يتعلم منه أكثر مما يتعلم من أسرته.
ووسط هذا الفراغ، تتصدر الترندات حياة المراهقين، بعضها بريء، وبعضها الآخر خطير، خصوصًا تلك التي تعتمد على الذكاء الاصطناعي. تطبيق واحد قادر أن يخلق صوت والدك، صورتك، أو أي محتوى يستخدم لمقلب ينتهي بصدمة أو دمعة أو خلاف عائلي كبير. المراهق يضحك، لكنه لا يرى أن خلف الضحك أب عاش لحظة خوف حقيقي، أو أم شعرت بانهيار قلبها أمام فيديو ظنته حقيقة.
الأخطر أن هذه المقالب لا تربي المراهق على الجرأة أو الإبداع، بل على التجربة العمياء، وعلى الركض خلف كل ما هو جديد دون سؤال واحد بسيط: هل هذا ممكن أن يؤذي؟ السوشيال ميديا اليوم لا تنتظر أن ينضج المراهق، بل تجره قبل أن يتعلم المشي. تقنعه أن قيمته بعدد المتابعين، وأن أهميته تقاس بحجم الضجة التي يسببها، بينما الحقيقة أبسط: إنسان بلا وعي يصبح أداة في يد الآخرين مهما بدا أنه مؤثر.
أما الذكاء الاصطناعي، هذا السلاح اللامع الذي لم نتعلم التعامل معه بعد، فهو يتحول عند بعض المراهقين إلى وسيلة أذية بدون قصد. صور مفبركة، أصوات مزيفة، محتوى يندم عليه الشاب بعد دقائق، لكنه ينتشر في ثوانٍ قد تغير حياته.
لذلك نحن بحاجة اليوم إلى تربية مختلفة، تربية تقول للمراهق: ليس كل ما تراه يجب أن تجربه، وليس كل ضحكة يجب أن تكون على حساب أحد. نحتاج لأهل يكونون أقرب، لا أسرع حكمًا. ولمراهقين يفهمون أن الحرية مسؤولية، وأن السوشيال ميديا ليست ملعبًا بلا قوانين. نحتاج إلى جيل يعرف أن الكلمة قد تبني، والصورة قد تهدم، وأن ضغطة زر قد تجرح قلب أم أو تسقط هيبة أب.
في النهاية، المراهق ليس مشكلة، بل بيئة كاملة تحتاج الاهتمام. والذكاء الاصطناعي ليس خطرًا، بل أداة تحتاج الوعي. والترند ليس شرًا، بل اختبار يحدد من يقود ومن يُقاد. وعلينا جميعًا أن نقرر: هل نريد جيلًا يستمد قيمته من شاشة، أم جيلًا يرى نفسه أكبر من كل ترند عابر
نور الكوري