نبض البلد -
بقلم: الشيخ عماد عبدالقادر عمرو
في خضم الجدل الذي أثارته مبادرة وزير الداخلية مازن الفراية، الداعية إلى تخفيف أعباء بيوت العزاء وحصر أيامها بيوم واحد، والتخفيف عن الشباب في عدد المدعوين لجاهات الخطوبة والزفاف، إضافةً إلى عدم دعوة أصحاب المناصب والسياسيين لقيادة الجاهات — تبرز الحاجة إلى قراءة هادئة وموضوعية بعيدًا عن الانفعال والمزايدات.
بصفتي مواطنًا أردنيًا وشيخ عشيرة، أنظر إلى هذه المبادرة بعين التقدير، وأرى فيها محاولة صادقة للتخفيف عن الناس في زمن تتزايد فيه الأعباء الاقتصادية والاجتماعية. الوزير لم يفرض قانونًا، ولم يصدر قرارًا ملزمًا، بل قدّم مبادرة إنسانية اجتماعية نابعة من إحساسه بالناس ومعاناتهم، ومن فهمه لطبيعة المجتمع الأردني وعاداته الراسخة.
لقد تابعنا تفاعل فئات واسعة من أبناء المجتمع مع هذه المبادرة، خصوصًا فئة الشباب الذين وجدوا فيها خطوة في الاتجاه الصحيح، تُخفف عنهم أعباء الزواج وتكسر بعض القيود التي أثقلت كاهلهم دون أن تنتقص من قيم الكرم أو الاحترام المتبادل.
من المهم أن نوضح أن الوزير مازن الفراية لم يمس العادات والتقاليد التي نعتز بها جميعًا، بل سعى إلى إعادة التوازن بين الواجب الاجتماعي والقدرة المالية، وبين المظهر والمضمون. إنها رسالة تعكس روح التكافل والتراحم بين أبناء الوطن الواحد.
صحيح أن هناك من انتقد المبادرة واعتبرها تدخلًا في خصوصيات الناس أو محاولة لتغيير الموروث الاجتماعي، وهذه الآراء تُحترم بلا شك، لكنها في الغالب قرأت الفكرة من زاوية مختلفة. أما جوهر المبادرة، فهو إنساني ووطني بامتياز، لا يُلزم أحدًا ولا يُجبر أحدًا على اتباعه.
إن ما يميز مجتمعنا الأردني هو قدرته على الحوار والاختلاف باحترام. فكما من حق الوزير أن يطرح مبادرته، من حق الناس أن يناقشوها ويقبلوها أو يرفضوها. فالمبادرة في النهاية اختيارية، ومن يقتنع بها يطبقها، ومن يرى غير ذلك فله رأيه بكل احترام.
مازن الفراية لم يتحدث من برجٍ عالٍ، بل من قلب الشارع الأردني، ومن حرصه الصادق على تماسك المجتمع وتخفيف الفوارق بين أبنائه.
وفي الختام، تبقى هذه المبادرة مجرد فكرة قابلة للحوار والتطوير، والأهم أن يستمر النقاش بعقلانية وروح إيجابية. فصوت الحكمة والعقل هو ما نحتاجه اليوم أكثر من أي وقت مضى.