نبض البلد -
أحمد الضرابعة
يقع العديد من "محللي" الشؤون السياسية في خطأ فادح ومتكرر في معظم تحليلاتهم، عندما يؤكدون حتمية ما سيحدث في مسار أي قضية يتناولونها، مع أن طبيعة السياسة ديناميكية متغيرة؛ لأنها بكل بساطة يمارسها بشرٌ يؤثرون ويتأثرون ولا يمكن إخضاعهم لقوانين فيزيائية أو معادلات رياضية محددة. يجهل بعض المحللين
رغم وجود علوم ونظريات سياسية، إلا أنها ليست ملزِمة بالنسبة للساسة وصُنّاع القرار الذين قد تواجه بلدانهم ظروف لم يسبق أن تم تأطيرها من الناحية النظرية، فيضطرون لاتخاذ إجراءات أو إصدار قرارات قد تكون غير متوقعة بالنسبة لهم، وذلك للتماشي مع السياقات المفاجئة التي يجدون أنفسهم أو بلدانهم فيها.
لا يعني ذلك بالطبع أن الدول ومؤسسات الحكم تتصرف بشكل ارتجالي، بل إنها تستمر بتأدية وظائفها في كل الأحوال وفقاً لأسس علمية ضمن أُطر مؤسسية دستورية، لكن هذه الأخيرة يقودها بشر، وهؤلاء البشر مهما بلغوا من الخبرة أو التخصص يظلون عرضة للتأثر بعوامل متعددة، كالقوة والمصلحة والتحالفات والتوازنات المحلية والإقليمية والدولية وهو ما يجعل من تحليل السياسة التي يمارسونها شأناً متغيراً ولا يمكن الجزم بمآلاته، لذلك لا بد أن يتضمن مساحة لمراعاة المستجدات أو الانعطافات غير المتوقعة للسلوك السياسي
خلال العامين الماضيين أُخرِجَ "التحليل السياسي" من سياقه الأكاديمي وجرى اختزاله بتنبؤات شخصية لا علاقة لها بمنهجيات التحليل في البحث العلمي، وتم تسويق هذه التنبؤات التي تخدم أجندة إعلامية محددة لتتحول إلى قناعات سياسية راسخة لدى الجماهير التي تطرب لمن يغذي شعورها بالإثارة. نتيجة ذلك هي مراكمة الخيبات من بوابة التحليل السياسي، فالمغالطات، والتعميمات المفرطة، واليقينيات المزيفة تم تقديمها كرؤى استراتيجية وقد ابتلع الكثيرون هذا الطُعم الذي حولهم إلى جيش إلكتروني يهاجم كل من يشكك بها أو يحاول تفكيكها.
قلت فيما سبق، لا يجرؤ المحلل السياسي الناجح على الادعاء بأن ما يقوله سيحدث حتماً وبكل ثقة وتأكيد، إلا إن سقط في فخ الغرور المعرفي وتَطوّعَ - بعلمه أو بجهله - في ممارسة التضليل الذي أصبح حرفةً يُخصّص لأصحابها ساعات يومية من البث المباشر على الشاشات التي تؤمن بأن التضليل جدوى مستمرة، والتي تعتمد في ذلك على وجود جماهير مستعدة لهضم أي محتوى يرضي مشاعرها حتى وإن كان مخالفاً للمنطق