من المعلم تبدأ الحكاية ومن علمه يُصنع المستقبل

نبض البلد -
ولاء فخري العطابي 


ها هو الخامس عشر من تشرين الأول يتزيّن احتفاءً بيومٍ مختلف، يومٍ يحمل في معناه الثناء لمن علّمونا الحرف والكلمة، وغرسوا فينا الإيمان بأن المستقبل لا يُصنع إلا بالعلم والمُثابرة، اليوم الذي تتحدث فيه الأوطان عن الذين علّموا أبناءها كيف تُبنى وعن أولئك الذين جعلوا من الطباشير سطورًا لقصص نجاح لا تنتهي، ومن القلم سلاحًا في وجه الجهل والتضليل، نعم فهو يوم المعلم.

حارس الوعي وباني الحضارات، مُلهم العقول وداعمها الأول من يفتح نوافذ النور في عقول طلابه، فيرى في كل واحدٍ منهم مشروع قائد أو مبدع أو إنسانٍ يحمل الخير لوطنه، فمنه نتعلّم أن الحياة لا تُقاس بما نملك بل بما نُقدّم وأن العطاء لا ينضب حين يكون مصدره القلب.

من المعلم تعلمنا أن النجاح يصنع نجاحًا؛ فحين يزرع فينا الإصرار على التقدّم، تتفتح في عقولنا زهور الأمل وحين يؤمن بقدرتنا نزداد نحن إيمانًا بذواتنا، هو الذي يرى في كل محاولة فاشلة خطوةً نحو نجاح قادم، وفي كل تردد فرصة جديدة للانطلاق.

ولأنّ المعلم هو الروح الحقيقية للعملية التعليمية، فإن تمكينه ودعمه هو حجر الأساس لأي نهضة تربوية أو إصلاح مجتمعي، فلا يمكن أن تزدهر الأمم دون معلم قويّ، مؤمن برسالته مُمكّن من أدواته يُدرّس بعقله وقلبه معًا، فالمعلم المبدع لا يكتفي بأن يُعلّم المنهاج، بل يزرع في طلابه حبّ التعلم ويمنحهم الشغف ليكونوا أصحاب فكرٍ لا مجرد حافظين أو مُتلقين للمعلومة. 

وللمعلم مكانته التي لا يحدّها زمن ولا مناسبة، فهو جدير بالتقدير اليوم وكل يوم، لأنه في كل صباح يزرع في عقول الأجيال بذور المعرفة، وفي كل مساء يحصد ثمرة جهده في عيون تلاميذه الذين يشقّون طريقهم نحو الغد، هو الأب الثاني والقدوة والمُلهم وصانع الإنسان فينا.

وإذا كانت الأوطان تُبنى بسواعد أبنائها، فإن أول من يوجّه تلك السواعد هو المعلم، فكل إنجازٍ وابتكارٍ ونجاحٍ يبدأ من فصلٍ دراسي ومن كلمة "أحسنت” قالها معلم لتلميذه فزرع به الثقة التي غيّرت مستقبله، فالمعلم لا يعلّمنا الدروس فقط بل يعلّمنا كيف نعيش الحياة بفكرٍ منظم وبقلبٍ ممتلئ بالأمل، في صبره دروس وفي عطائه معنى الإخلاص وفي مواقفه كل قيم الاحترام والمسؤولية، منه تعلّمنا أن المثابرة ليست خيارًا بل أسلوب حياة وأن الإصرار طريقٌ نحو كل حلم.


في يوم المعلم، نقف جميعًا وقفة تقدير وامتنان، نُجدد العهد بأن نبقى أوفياء لرسالتهم السامية، فالتعليم ليس مهنة عادية بل رسالة لا يتقنها إلا من آمن بها ووهب لها عمره وجهده، ورسالة لا يقدر قيمتها إلا من عاشها وشهد أثرها في الأجيال، فكل التحية لمن علّمونا كيف نحلم، وكيف ننهض، وكيف نصنع المجد بالعلم والمعرفة.

شكرًا لكل معلمٍ كان لنا يومًا ضوءًا في طريقٍ طويل، وشكرًا لكل من اختار أن يكون قلبه منارة لأبناء وطنه، فالمعلم هو البداية لكل نجاح، والنقطة الأولى في سطر كل حضارة مُشرقة وغدٍ أجملٍ وواعد.