اليوم التالي اردنيا.. جغرافيا متحركة ام تاريخ ساكن

نبض البلد -
بهدوء

عمر كلاب


سواء انتهت خطة ترامب بالنجاح او التعثر, فإن المشهدية الفلسطينية قد باتت واضحة, غزة عنوان القادم فلسطينيا, بمعنى الدولة او السلطة او المنطقة المزدهرة, وستكون الضفة الغربية سندا, اي ان غزة هي المركز والضفة هي الاطراف, عكس ما كان معروفا ومألوفا, طوال سنوات سابقة, وستتمدد غزة لجذب الضفة, الى واقعها, حتى لو احتفظت الضفة بمواقع السلطة السيادية بين قوسين مؤقتا, فثمة فرق بين العاصمة السياسية والعاصمة الاقتصادية, واظن القوة اليوم للاقتصاد.

امام هذا المشهد, الذي يستوجب القلق الاردني, ماذا سنفعل في اليوم التالي, 7 اكتوبر الاردني, وهو مصطلح سياسي, المقصود منه التفكير اردنيا, في شكل العلاقة مع القادم فلسطينيا, فتراجع تأثير الضفة الغربية في المشهد الاقليمي والفلسطيني, سيلقي بظلاله على الاردن, من بوابتين, الاولى شكل الوجود السكاني في الضفة الغربية, وهل ستحافظ الضفة على بقاء سكانها وبالتالي تحافظ على بقاء الاردنيين فيها ايضا؟ والسؤال الثاني, ما هو وضع القدس والمقدسات؟ والسؤال يستجلب مفهوم الوصاية الاردنية عليها, في ظل تهويد متصل ومتسلسل, وفي ظل ازاحة عالمية عن ملف القدس التي بتحقيق مشروع ترامب, ستبقى وستتاكد هويتها كعاصمة موحدة للكيان.

واضح ان ادارة نتنياهو وحكومته المتطرفة, تسعى للقفز عن الدور الاردني وتهشيمه, وتسعى جاهدة الى اخراج الاردن حصرا من المعادلة الفلسطينية, ويسندها في ذلك اصوات فلسطينية وعربية, وحتى الادارة الامريكية لا تبدي اهتماما بهذا الملف, واعني ملف تقويض الدور الاردني, في الملف الفلسطيني, والحريص الوحيد على الدور الاردني, هم اهل الضفة الغربية الذين لا يشكلون تاثيرا واضحا على القرار حتى اللحظة, ولا يوجد سعي في العقل الرسمي الى تفعيل دورهم, فنحن على مسافة ليست قريبة من مفاعيلهم الاجتماعية ودون تواصل مع الجيل الجديد الذي تشكل بمنأى عنا في الاردن.

جميعنا مدرك ومتفق على ان القضية الفلسطينية ملف داخلي بامتياز, وهذه للاسف جملة تحمل في داخلها بداهة سياسية, ولكنها تُدار بشكل اقرب الى البلاهة السياسية في هذه اللحظة الاقليمية, فالحوار الداخلي الاردني, مشغول بنقاشات عقيمة عن الهوية الاردنية, وكانها هوية مستهدفة, ولا تملك موانعها ولا تملك مصادر قوتها الذاتية, علما بأنها ودون ادنى شك هي الاقوى بين الهويات القطرية في الوطن العربي على الاقل, وتملك كل مصادر القوة والمنعة, لكن ثمة عقل معقوص وآخر منقوص, يسعى الى اظهارها بغير مكامن قوتها, ربما لحسابات شخصانية عند مئات على اكثر تقدير.

الخطر يكمن في الجغرافيا السياسية, وقدرة الهوية الوطنية على مواجهة مخاطر الجغرافيا السياسية, والقدرة على توفير حضور للهوية على هذه الجغرافيا المتحركة, فنحن على مرمى خطر حدودي من الجانب السوري, مع مسلكيات صهيونية داخل سورية, ونحن على بعد خطر في الاغوار والسياج الجديد, ونحن على مرمى خطر من ضم جديد للجغرافيا على التوازي, فما زال عقل صهيوني يسعى الى اعادة رسم الحدود الجديدة لاقليم الشام كله من جديد,وجملة السلام في الشرق الاوسط الحاضرة على لسان الرئيس الامريكي وقيادات اوروبا مفتوحة النهايات, وغير مفهومة او معرّفة حتى اللحظة.

الخشية على الهوية الجغرافية القابلة للزيادة, وليس على الهوية الوطنية القوية فعلا, فهل ستنجح الهوية القوية في مواجهة الهويات الجغرافية التي يتم ترسيمها, ام سنبقى نراوح مكاننا في عدم الالتفات لهذا الخطر الجغرافي القادم, وهو بالمناسبة ليس خطر انتقاص من الجغرافيا الاردنية بل خطر توسعتها.