التوسعة الرابعة لمصفاة البترول بين الطموح الاستراتيجي والجدل الاقتصادي

نبض البلد -

المصفاة ماتزال تنتج بنزينا أقل جودة ضمن استثناءات سنوية متكررة

عقل: التوسعة تعزز استدامة المشروع من خلال إعادة هيكلة الطاقة الإنتاجية

بلاسمة: نجاح التوسعة الرابعة مرهون بقدرة الدولة على ضبط المواصفات

الأنباط – عمر الخطيب

 

 

 

ينظر إلى التوسعة الرابعة لمصفاة البترول الأردنية على أنها مشروع ذو أهمية كبيرة في مسار الأمن الطاقي للمملكة، ويصفه خبراء الطاقة بأنه خطوة حيوية تهدف إلى رفع الطاقة الإنتاجية وتحسين جودة المشتقات النفطية وفق المعايير البيئية العالمية.

 

ومن منظور اقتصادي، يفترض أن يسهم المشروع في تقليل الاعتماد على الاستيراد، ورفع فرص الاستثمار المحلي، وتعزيز القدرة التنافسية للأردن في قطاع الطاقة.

 

إلا أن الواقع يطرح مفارقة واضحة، إذ لا تزال المصفاة تنتج بنزينًا أقل جودة ضمن استثناءات سنوية متكررة تبقيها ضمن حدود التشغيل، ما يثير غضب الشركات المنافسة ويضع علامة استفهام حول مصداقية التنافسية في السوق المحلية. ومع استمرار هذه الاستثناءات، يبقى موعد اكتمال التوسعة الفعلي غامضًا، وسط تأخيرات مالية وتقنية وسياسية متراكمة، مما يجعل المشروع يبدو أحيانًا أقرب إلى استعراض استراتيجي منه إلى إنجاز ملموس.

 

يتضح من هذا السياق التناقض بين الطموح الوطني للتوسع الصناعي والأثر الاقتصادي والبيئي الفعلي للمشروع، ما يطرح تساؤلات حول جدوى التوسعة وواقعية وعودها في تعزيز الأمن الطاقي والقدرة التنافسية في السوق، دون أن تفقد القدرة على جذب الانتباه وإثارة الجدل في الأوساط الاقتصادية والطاقة.

 

وفي هذا الصدد، أكد خبير الطاقة هاشم عقل أن التوسعة الرابعة للمصفاة تمثل خطوة استراتيجية لتعزيز الأمن الطاقي في المملكة، مشيرًا إلى أن المشروع يهدف إلى رفع الطاقة الإنتاجية للمصفاة وتحسين جودة المنتجات النفطية لتتوافق مع المعايير البيئية العالمية.

 

وأضاف عقل أن التوسعة ستضمن توفير المشتقات الأساسية لقطاعات النقل والصناعة والطاقة، وستقلل الاعتماد على الواردات، مشيرًا إلى أن المشروع يوفر فرص عمل مباشرة لمئات الأشخاص وآلاف الوظائف غير المباشرة، ما يسهم في دعم الاقتصاد المحلي وتقليل العبء على الموازنة العامة، خاصة في ظل ارتفاع أسعار الوقود عالميًا.

 

وأوضح عقل أن التوسعة تعزز استدامة المشروع من خلال إعادة هيكلة الطاقة الإنتاجية لتصل إلى 73 ألف برميل يوميًا، وخفض التكلفة الإجمالية إلى حوالي 1.7 مليار دولار، ما يجعل المشروع أكثر جاذبية للتمويل المحلي والدولي. وأشار إلى أن المشروع واجه تحديات كبيرة نتيجة خلافات الشراكات الدولية وارتفاع التكاليف بسبب الحرب الروسية–الأوكرانية، بالإضافة إلى صعوبة التمويل نتيجة التضخم العالمي وتقلبات أسعار النفط، كما أثرت التوترات الإقليمية على الشركات الأجنبية، مما زاد العبء الإداري والفني على إدارة المصفاة.

 

على الصعيد الاجتماعي، أشار عقل إلى أن التأخيرات أثارت استياء المجتمع المحلي في الزرقاء، وقلق الأسر محدودة الدخل بشأن ارتفاع أسعار الوقود، مضيفًا أن استقرار المصفاة وتوسعها يعكس التزام المملكة بحماية مصالح المواطنين وتقليل الاعتماد على الاستيراد.

 

كما أوضح عقل أن التوسعة تشمل تطويرًا تقنيًا يراعي المعايير البيئية العالمية(Euro 5V/6VI)، ويتيح إنتاج مشتقات نفطية عالية الجودة بأقل التكاليف الممكنة، إلى جانب ربط المشروع برؤية طويلة الأمد تشمل استثمارات في محطات الوقود الجديدة، والسعات التخزينية الاستراتيجية للغاز البترولي المسال في الزرقاء والعقبة، بالإضافة إلى الشحن الكهربائي والطاقة الشمسية لتعزيز تنويع مصادر الإيرادات واستدامة المشروع.

 

وأكد أن التوسعة تمثل خط الدفاع الأول ضد تقلبات السوق العالمية والأزمات الإقليمية، مشددًا على أن المصفاة تعتبر حجر الزاوية في الأمن الطاقي للأردن، وأن الدعم الحكومي والأداء المالي القوي للمصفاة يعززان قدرتها على مواجهة التحديات المالية والإدارية والفنية، لتظل عنصراً أساسياً في استراتيجية المملكة لتأمين الطاقة.

 

وفي السياق نفسه، بين خبير الطاقة فراس بلاسمة أن التوسعة الرابعة تمثل مشروعًا استراتيجيًا لتعزيز الأمن الطاقي الوطني، لكنها تثير تحديات بيئية محتملة.

 

وأوضح بلاسمة أن المشروع سيمكن المصفاة من إنتاج مشتقات نفطية بمواصفة Euro V منخفضة الكبريت، ما يحد من الانبعاثات ويحسن جودة الهواء، ويضمن مطابقة المنتجات للمواصفات المعتمدة إقليميًا وعالميًا. كما يشمل المشروع إنشاء وحدات متقدمة لتحويل المتبقيات الثقيلة إلى مشتقات عالية القيمة، ما يقلل إنتاج زيت الوقود عالي الكبريت ويعظم إنتاج البنزين والديزل عالي الجودة.

 

وأضاف بلاسمة أن التوسعة لا تقتصر على الحد من التلوث البيئي فحسب، بل تعزز الاعتمادية والأمن الإمدادي للاقتصاد الأردني، وتساهم في رفع هوامش التكرير للشركة من خلال تحويل المنتجات منخفضة القيمة إلى مشتقات عالية الربحية. وعلى مستوى الدولة، تساعد التوسعة الرابعة في خفض فاتورة العملة الصعبة عبر تقليل استيراد المشتقات النهائية، مما ينعكس إيجابًا على الميزان التجاري.

 

وأشار بلاسمة إلى أن المشروع يمثل أحد أضخم المشاريع الصناعية في الأردن خلال العقد الأخير، حيث سيحفز سلاسل التوريد المحلية في مجالات الهندسة والصيانة والخدمات اللوجستية، ويساهم في نقل المعرفة التقنية الحديثة، ما يعزز تنافسية البيئة الاستثمارية الأردنية.

 

إلا أن بلاسمة نوه بوجود تساؤلات حول انسجام المشروع مع سياسات الأردن في التحول للطاقة المتجددة، والالتزام بتخفيض الانبعاثات ضمن اتفاقية باريس، مؤكدًا أن نجاح التوسعة الرابعة ليس مضمونًا ويعتمد على قدرة الدولة على ضبط المواصفات ومنع الاستثناءات التي قد تؤثر على العدالة أو الصحة العامة. وأوضح أن مواءمة المشروع مع التوجه نحو الطاقة النظيفة ستجنب أن يتحول إلى قيد استراتيجي يعوق التحول المستقبلي، مؤكدًا أنه عند تحقيق هذين الشرطين يمكن اعتبار التوسعة الرابعة قصة نجاح وطنية متكاملة، بدل أن تكون مصدر جدل بين البيئة والاقتصاد، معززة الأمن الطاقي، والجدوى المالية للمصفاة، وداعمة الاقتصاد الوطني عبر خفض الاستيراد وجذب الاستثمارات.