نبض البلد -
حاتم النعيمات
للأسف، فمن الواضح أن هناك صعوبة في إقناع جزء معتبر من الرأي العام الأردني بتبني ما يتماشى مع مصالح الأردن، ولا أتحدث هنا عن النوايا بل عن طابع سياسي أصبح موجودًا بوضوح. فأنا لا أنكر في هذا السياق أننا كأردنيين قد قصرنا في حق مواقف بلدنا، بل وشاركنا بالضغط ضدها لأجل مصالح غيرنا إلى درجة أن هناك بيننا من يؤمن بأن الأردن لا يحق له إلا أن يكون رصاصة في سلاح الآخر المؤدلج.
هذا الوضع ليس بجديد، فالخارطة السياسية الأردنية لم تنمو بشكل طبيعي، ورُسم جزء واسع منها على أساس الولاءات العابرة للحدود؛ فما زلنا نرى اليوم -على سبيل المثال- آراءً ترفض إنهاء الحرب في غزة رغم كل ما تسببه من ضرر للأردن كدولة ملاصقة، وتقلل من قيمة أي جهد يسعى لإيجاد صيغة لحل في الضفة الغربية. بصراحة، هناك من يريد استمرار الحرب من موقعه المرفّه، تمامًا كما يريد الإثارة من مباراة كرة قدم.
وأنا هنا لست بصدد الدخول في مناكفات، بقدر ما أستغرب كيف لا يرى هؤلاء أن القضية هي قضية الأردن بالدرجة الأولى كما هو الحال في أي دولة، فعندما طرح ترامب خطته لإنهاء الحرب على غزة، ظهرت أصوات تتحدث عن مؤامرة وعن خدعة، وكأنهم مفوَّضون عن ملايين المكلومين في غزة والضفة الغربية، أو لا يدركون شح الخيارات التي تركتها مغامرة السابع من أكتوبر للفلسطينيين والعرب.
ارى ان إنهاء الحرب مصلحة أردنية عليا تمامًا كما هي مصلحة فلسطينية مُلحة، لأن منع تهجير أهل غزة (الذي تحدثت عنه خطة ترامب بشكل صريح) يعني تمامًا هزيمة مشروع التغيير الديموغرافي في الضفة الغربية، ويعني أيضًا، سقوط مشروع اليمين الإسرائيلي المتطرف برمته، وسيترتب على ذلك كله سقوط تيارات سياسية في الأردن كانت تأتمر بأمر حماس وبقية أعضاء المحور الإيراني. وفي محصلة ذلك، أستغرب أي رأي يريد للحرب أن تستمر وفي الوقت نفس يدعي صاحبه أنه يقف إلى جانب مصالح الأردن.
وتحت نفس العنوان (بناء الموقف بعكس مصالح الأردن)، يخرج علينا اليوم كتاب ومحللين ويعبّرون صراحة عن إيمانهم بالكُنفدرالية مع الضفة الغربية (توطين مقنن)، وآخرون يتحدثون عن استحالة قيام دولة فلسطينية رغم طوفان الاعترافات والتغيرات المرتقبة في إسرائيل. وقد وصل الحال ببعضهم إلى تبني رواية اليمين الإسرائيلي وتحويل تصريحاته وأفكاره إلى قدر محتوم لا نقاش فيه، والأمثلة كثيرة، أذكر منها أن هناك من تلقف تصريح نتنياهو المتعلق بإسرائيل الكبرى للنكاية بالتعامل الأردني مع القضية الفلسطينية وإظهاره كالفاشل، وآخرون أصبحوا ينقلون تصريحات بن غفير وسموتريتش بما يخص الاستيطان بنفس الطريقة، وكل ذلك باستخدام التهويل والمبالغات لدحض فكرة حل الدولتين التي تُجمع عليها اليوم أكثر من 90% من دول العالم.
آن الأوان أن نقف جميعًا ضد كل من يصوغ مواقفه السياسية بالضد من مصالح الأردن، فبعد كل هذه التجارب (وخصوصًا بعد كل ما حدث في العامين الأخيرين) علينا أن ندرك أن هناك شهوة سياسية موجودة ويقودها نشطاء وكتاب "لتوريط" الأردن في الأزمات للذود عن تخاذلهم المكشوف.
الأردن يثبت كل مرة أن رؤيته هي الأقرب للواقع، فهذا البلد لعب دورًا مركزيًا بارزًا في إفشال التهجير، وفي تجميع أهم الدول العربية والإسلامية على طاولة ترامب، لذلك كله، وبعد أن انتهى عصر الميليشيات في المنطقة لا بد من إعادة تعريف المواقف السياسية بناءً على مصلحة الأردن حصرًا.