نبض البلد -
حاتم النعيمات
منذ شهور، لم أجد في الصحافة الإسرائيلية والأمريكية أي حديث عن ضمانات قاطعة تحول دون توجيه ضربة إسرائيلية (وربما أمريكية) لإيران، بل على العكس، تتصاعد التكهنات بأن هناك نية لدى نتنياهو بتجديد المواجهة، خصوصًا بعد أن قال صراحة إن إسرائيل تعرف موقع 450 كلغم من اليورانيوم المخصب بنسبة قريبة من متطلبات الإنتاج العسكري. يضاف إلى ذلك، أن هناك اعتقاد داخل التحالف الحاكم في تل أبيب بأن نتائج الهجوم الذي نفذته إسرائيل على منشآت إيرانية في حزيران الماضي، قوبل برد إيراني أقل من المتوقع، حيث اقتصر على الصواريخ فقط في ظل غياب أهم الوكلاء وهم حزب الله وحماس.
الصحف الإسرائيلية مثل "هآرتس" و "جيروزاليم بوست"، قدّمت قراءات تدعم احتمالية التصادم، فقد رأى بعض المحللين هناك أن الضربة الأخيرة كشفت عن مستوى غير مسبوق من الجاهزية العسكرية، وعن استعداد إسرائيل لتحمّل تبعات مواجهة مباشرة، حتى في ظل ضغوط أمريكية وأوروبية تدعو إلى التهدئة.
في الولايات المتحدة، جاءت التغطية أكثر حذراً، فقد تناولت كل من "واشنطن بوست" و "وول ستريت جورنال" القضية من زاوية الحسابات الأمريكية، مشيرتين إلى أن واشنطن تجد نفسها أمام معادلة معقدة: فهي من جهة لا تريد أن ترى إيران تقترب أكثر من العتبة النووية، لكنها من جهة أخرى تخشى أن تؤدي مغامرة إسرائيلية منفردة إلى إشعال صراع يجر القوات الأمريكية في المنطقة إلى مستنقع جديد. ولذلك، نقرأ في بعض المقالات أن الإدارة الأمريكية تمارس ضغوطاً صامتة على تل أبيب لعدم المضي بعيداً، مع محاولة موازية لدفع طهران إلى العودة لمسار المفاوضات.
لكن بين هذه التحليلات، تبرز ثلاث ملاحظات أساسية:
أولاً، أن إسرائيل لا تتعامل مع الملف الإيراني باعتباره قضية دبلوماسية قابلة للتأجيل، بل كتهديد وجودي؛ الخطاب الرسمي لنتنياهو ومسؤولي الأمن يعكس قناعة بأن الزمن ليس في صالحهم، وأن أي تراخٍ قد يمنح إيران فرصة لبلوغ مستوى تخصيب يقترب من صنع السلاح النووي، وهذا الشعور بالاستعجال يجعل خيار الضربة، حتى لو لم يُعلن عنه صراحة، حاضراً دائماً على الطاولة.
ثانياً، أن الولايات المتحدة رغم خلافاتها مع حكومة نتنياهو في ملفات أخرى، لا تستطيع أن تفصل نفسها بالكامل عن أي عملية عسكرية إسرائيلية ضد إيران، فالدعم اللوجستي والاستخباري الأمريكي يشكّل العمود الفقري لأي ضربة واسعة، سواء اعترفت واشنطن بذلك أم لا، وهو ما يعني أن الموقف الأمريكي سيبقى العامل الحاسم في رفع أو خفض احتمالات الضربة.
ثالثاً، أن إيران نفسها لا تقف مكتوفة الأيدي، فهي تعزز مواقعها تحت الأرض، وتحاول أن تبعث برسائل تحدي لإسرائيل وأمريكا والترويكا بين الحين والآخر. وهذا يضيف طبقة جديدة من التعقيد، لأن أي ضربة إسرائيلية لن تكون مجرد مواجهة ثنائية، بل اختباراً لمدى استعداد المنطقة لتحمُّل صراع مساحته الجغرافية تشمل معظم المشرق العربي.
منذ بداية العدوان على غزة، أصبح لسلوك نتنياهو إيقاع شبه ثابت، فبعد كل زيارة لواشنطن أو اتصال تقوم إسرائيل بإشعال جبهة من الجبهات، والضغط اليوم على نتنياهو لإنهاء الحرب في غزة أصبح كبيرًا، خصوصًا بعد اجتماع ترامب مع القادة العرب الذي وضع مصالح الولايات المتحدة بالجملة على الطاولة مع دول مهمة كالأردن ومصر وتركيا وباكستان. لذلك فمن الممكن أن يشعل نتنياهو جبهة إيران للمحافظة على تحالفه المتعطش للحروب، فهو يعرف كيف يتملّص من الضغط، ويعرف كيف يلاعب ترامب، والراجح أنه قد وافق على صفقة في غزة بشرط السماح له بالتصعيد ضد إيران.
إن عوامل مثل شعور إسرائيل بفائض القوة الاستخبارية، وعدم حسم الصراع بين الإصلاحيين والمحافظين في إيران، بالإضافة إلى التعاون بين الترويكا والولايات المتحدة في الضغط على إيران قد تفضي إلى مواجهة جديدة لا يمكن تقديرها، لذلك لا بد للدول العربية وخصوصًا الخليجية أن تضغط بطريقة أو بأخرى للجلوس على طاولة المفاوضات بين الغرب وإيران كطرف رئيسي لإشراك أكبر عدد من اللاعبين وزيادة أوراق التفاوض بدلًا من هذا الشح المقتصر على التهديدات والعقوبات التي لن تفضي لأي نتيجة.