بين التحذير الوطني المسؤول والترويع الممنهج

نبض البلد -

أحمد الضرابعة

يتخطى الكثيرون - بعلم أو بجهل - الشعرة الفاصلة بين التنبيه الوطني المسؤول لخطورة الأوضاع الإقليمية، والترويع المقصود أو غير المقصود من تداعياتها، ظناً منهم أن القيام بذلك مُتطلّب تفرضه المرحلة. ما يجب التذكير به هو أن التحذير من المخاطر، والدعوات المستحقة للاستعداد لمواجهتها شيء، وبث رسائل الخوف والإحباط والهزيمة والدعوة لتطبيق سياسات الارتباك شيء آخر

مؤسسات الدولة الأردنية في غنى تام عن نصائح وتوجيهات الذين تقاعدوا من نادي الحكم وتفرّغوا للقيام بتفسير المُفسّر ووصف ما هو موصوف مع إضافة الكثير من خلطات الترويع والإرباك بذريعة الحرص على الأمن الوطني، لأن النتيجة لعمل هؤلاء الذين كانوا عبئاً على الأردن وهم في مواقع صنع القرار هي إعادة إنتاج الخوف عبر تضخيم حالة القلق والرعب، وهو ما يؤدي بالنهاية إلى إضعاف مناعة المجتمع، وليس تقويته، وبالتالي فإن التورط في الدعوة إلى فرض الأحكام العرفية أو تشكيل حكومة عسكرية أو إغلاق الحدود وإعلان حالة الحرب ليست أكثر من استعراضات تُنفذ في سوق المواقف الشعبوية، ولا تعبر بالضرورة عن الاحتياجات الاستراتيجية للأردنيين بالنظر إلى ظروفهم الراهنة والأوضاع العربية والدولية.

صحيح أن الدولة الأردنية مطالبة باتخاذ ما يلزم من إجراءات على كافة المستويات لحماية الأمن الوطني الأردني، وهي تدرك ضرورة القيام بذلك، وتعمل وفق الأطر المؤسسية الدستورية التي تتيح لها استقبال المدخلات عن طريق مجلس الأمة والأحزاب السياسية المرخصة، لكنها لا تضع صندوقاً لاستقبال المقترحات في شؤونها الاستراتيجية من المسؤولين القدماء، ولا تنتظر من بعض الذين فشلوا وهم في مواقع المسؤولية أن يحددوا لها ما الذي يتوجب عليها أن تفعله وما لا تفعله في هذه المرحلة، ففي ذلك استهانة بالمؤسسات الرسمية كالجيش العربي ومجلس الأمن القومي ومركز إدارة الأزمات ووزارتي الداخلية والخارجية التي تنهض بواجباتها في حماية الوطن وصون سيادته وتعمل وفق منظومة متسقة تستند إلى الدستور
وفقاً لأسس علمية في تحديد المخاطر المختلفة وتحليلها وتحديد السياسات اللازمة للتعامل معها. لم يعد مقبولاً ممارسة الوصاية على الدولة الأردنية ومؤسساتها بهذه الأساليب التي تضعف الثقة العامة وتزرع الخوف في وجدان الأردنيين