نبض البلد - ناقش متحدثون في ندوة بعنوان "الشعر العربي بعد درويش"، أقيمت ضمن فعاليات معرض عمان الدولي للكتاب 2025 الذي ينظمه اتحاد الناشرين الأردنيين، موقع الشاعر محمود درويش التاريخي والجمالي في المشهد الشعري، مؤكدين أنه لا يمثل "عقبة" بل "نافذة" للإثراء والتواصل الشعري.
وشارك في الندوة التي أقيمت بالتعاون مع مؤسسة عبد الحميد شومان، الناقد والمترجم السوري صبحي حديدي، والناقد الأردني فخري صالح، وإدارة الدكتورة امتنان الصمادي.
صبحي حديدي
وقدم حديدي ورقته بعنوان "الشاعر العربي بعد محمود درويش: أرباح وخسائر"، مقسماً حديثه إلى ثلاثة مستويات تتصل برحيل درويش، المستوى الأول: الذائقة الجمعية والشاعر النجم حيث فضل حديدي مصطلح "الذائقة الجمعية" على الجماهيرية.
وأشار إلى أن درويش احتل مكانة "الشاعر النجم" أو "عراف الأمة"، وفي أواخر حياته، أصر درويش على الاستقلال الجمالي وبدأ "يعاند القاعة" بالإحجام عن قراءة القصائد الجماهيرية القديمة مثل (سجل أنا عربي)، ليقدم قصائده الجديدة الصعبة، مما حول مفهوم الجماهيرية إلى "تعاقد جمالي مع الشاعر".
وذكر أن المستوى الثاني كان الخسارة والتي تتمثل في فقدان الشاعر الذي "يملئ ملاعب كرة القدم".، والمستوى الثالث الربح والذي يتمثل في ظهور صياغات "أرقى وأكثر تعقيداً" للتعاقد مع القاعة، وأكثر انسجاماً مع معطيات العصر.
وصف حديدي درويش بأنه "أستاذاً كبيراً" في قصيدة التفعيلة، وكاشفا أن درويش سعى في مجموعاته الأخيرة إلى "جسْر الهُوَّة" ما بين قصيدة التفعيلة وقصيدة النثر، معترفاً بأن قصيدة النثر العربية المعاصرة "استقرّت" وتمتلك حقوق الوجود وخصائص جمالية.
أوضح أن أسلوب درويش الغنائي الملحمي ما زال يُستقبل بحرارة في لغات حية عديدة كالإنجليزية والفرنسية والإسبانية، وتميز هذا الأسلوب بمزج الحس الغنائي واستدعاء التاريخ التراجيدي للقضية الفلسطينية بـ"حس وجودي إنساني فردي" في أخريات حياته.
أما الربح، بحسب حديدي، فهو تنبّه الشعراء الأحياء إلى أن قيمة الغنائية الملحمية يمكن أن تخدم قضاياهم الميتافيزيقية والوجودية، مما أدى إلى "استفاقة" على محاسن هذا الأسلوب و"جسْر الهُوَّة" التي كانت تعتبر الغنائية "سُبَّة" في نظر الحداثة العربية المصطنعة.
فخري صالح
من جهته، ركز فخري صالح على "تاريخية إنتاج درويش لشعره"، وتناول مشكلة النظر إلى درويش بوصفه "جداراً وعقبة" أمام الشعراء الفلسطينيين بصورة خاصة.
وأكد أن درويش لم يظهر من فراغ، بل نشأت كتابته الشعرية ضمن مروحة واسعة من التأثيرات، واستفاد من الشعراء الرواد العرب مثل السياب والبياتي وأدونيس ونزار قباني، كما نشأ في كوكبة من شعراء المقاومة في الستينيات مثل توفيق زياد وسميح القاسم.
شدد صالح على أن درويش كان في "عملية حوار دائم"مع الشعريات المختلفة، بما في ذلك أسئلة قصيدة النثر، وكان يحاور شعراء معاصرين مثل عباس بيضون وأمجد ناصر.
وخلص إلى أن تجربة درويش الممتدة عبر خمسة عقود لا تشكل عقبة، بل هي "عامل تواصل وعامل إثراء وغنى للقصيدة العربية"، وتمثل "نافذة على شعريات جديدة".
أشار صالح إلى أن رحيل درويش كان يمثل "انقطاعاً في تجربته الشعرية" التي كان يمكن أن تنضج أكثر، لأنه كان شاعراً يتطور باستمرار ويتفاعل مع الشعريات العالمية.
واستدل على حضوره العالمي الكبير باقتباس الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون سطراً من شعره في كلمته أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة.
امتنان الصمادي
وكانت الدكتورة امتنان الصمادي، التي أدارت الندوة، أكدت في بدايتها أن الشعر رسالة الوجدان الإنساني العابرة للأزمان والحدود الجغرافية.
وشددت على أن درويش يُعد أحد أهم أعمدة الشعر العربي المعاصر، وقد حجز مقعده نحو "الكونية"، خاصة في منجزه خلال العقدين الأخيرين من حياته، متجاوزاً الوطنية والغنائية إلى الرؤية الكونية المفتوحة والتمرد على الواقع الوجودي المستبد.
ولخصت الدكتورة الصمادي دور درويش قائلة إنه "أدمن التفوق على نفسه"، وأشادت بقدرته على الجمع بين "الفنية الشعرية المتطورة والمتغيرة والجماهيرية الواسعة".
ووصفته بأنه "شاعر فنان مراوغ"؛ فكان يكتب عن الحب عندما يتهيأ لجراحة القلب، وعن الموت في (الجدارية) عندما يخرج منها سالماً.
وأكدت أن درويش قدم نفسه في أبسط صورة لكنها "أعقد صورة لم نستطع إدراك كنهها حتى الآن"، مما قد يتطلب وضع معايير نقدية جديدة لتصنيف المشهد الشعري بعده.
أشارت إلى أن درويش "فتح لهم "للأجيال الجديدة" الآفاق ليسبروا غور التاريخ أيضاً من جديد"، وأنه الشاعر العربي الوحيد المترجَم المعروف في جامعات آسيوية وأوروبية زارتها.
وفي نهاية الندوة، كرم الدكتور راشد عيسى برفقة رئيس اللجنة الثقافية لمعرض عمان الدولي للكتاب جعفر العقيلي المشاركين في الندوة بدرع معرض عمان الدول للكتاب.