نبض البلد -
عماد عبدالقادر عمرو
توالت الاعترافات الدولية بدولة فلسطين وبحق الشعب الفلسطيني في إقامة دولته المستقلة على أرضه. وهذه الاعترافات – وإن حاول البعض وصفها بالشكلية – جاءت من دول كانت هي نفسها صاحبة اليد الطولى في زرع الكيان الصهيوني في فلسطين وتهجير شعبها، ومنحت اليهود وعد إقامة وطن قومي على حساب أصحاب الأرض الشرعيين.
اليوم، وبعد عقود طويلة من المعاناة، تعترف تلك الدول رسمياً بحق الشعب الفلسطيني، الذي لم يفرّط يوماً بأرضه أو قضيته كما يدّعي الاحتلال. جاء هذا الاعتراف بعد عامين على أحداث السابع من أكتوبر، وبعد أن تكشّفت حقيقة الكيان المجرم أمام شعوب العالم الحر، التي سبقت حكوماتها في إدراك أن إسرائيل دولة مارقة تتغذى على القتل والإبادة الجماعية في مشهد لم يسجله التاريخ الحديث.
كانت غزة هي الصفعة التي أيقظت الضمير العالمي، ودفعت الشعوب إلى إعادة قراءة التاريخ، خصوصاً تلك "التهمة الجاهزة” المسماة بـ معاداة السامية، التي تحولت لعقود إلى سيف مسلط يمنع انتقاد إسرائيل أو الصهيونية.
غير أن جرائم الاحتلال في غزة فضحت التضليل الثقافي والسياسي الذي مورس على الأجيال الأوروبية والغربية، وأظهرت أن القضية ليست عداء لليهود، بل رفضٌ لاحتلال وإجرام منظّم.
اليوم، صورة الكيان المحتل في أسوأ حالاتها، والعزلة الدولية تحاصره كما لم يحدث من قبل. لم يكن أحد يتصور أن يُطرد جنود الاحتلال من مطاعم ومقاهي أوروبا، أو أن يتعرض وزراء الكيان للشتم والتوبيخ في عواصم العالم.
كل ذلك كان ثمرة لصمود الشعب الفلسطيني وتضحياته، ونتيجة مباشرة لجرائم الاحتلال ضد كل ما هو فلسطيني.
ولا يمكن هنا أن نغفل الدور الأردني الكبير، قيادةً ودبلوماسيةً، في الدفاع عن الحق الفلسطيني وإيصال صوته ومعاناته إلى العالم. فالموقف الأردني ليس بجديد، بل هو امتداد لمواقف الأردن التاريخية تجاه فلسطين والمقدسات الإسلامية والمسيحية في القدس، والتي كانت الأصلب والأقوى. فقد قاد جلالة الملك، ومعه الدبلوماسية الأردنية، حملة ثابتة وصريحة في مواجهة الاحتلال، غير آبهين بحملات التحريض والتشويش التي يشنها الإعلام الإسرائيلي.
لقد كان الموقف الأردني سنداً حقيقياً لفلسطين، وأسهم في جعل الاعتراف بدولة فلسطين نجاحاً سياسياً ودبلوماسياً، وهزيمة واضحة للاحتلال على الساحة الدولية.
ومع ذلك، لم يجد الاحتلال رداً سوى مزيد من القصف على غزة، وإغلاق معبر الكرامة، وإلقاء منشورات تطالب السكان بإخلاء المدينة. لكن اليوم، الكل يدرك أن إسرائيل تعيش أقصى درجات العزلة الدولية، وأن شعوب العالم باتت تعي تماماً من هو المجرم ومن هو الضحية.
وما الاعتراف بدولة فلسطين إلا بداية سقوط أسطورة الكيان المحتل، ودليل حيّ على أن دماء الشهداء وصمود الشعب الفلسطيني أقوى من كل مؤامرات التزوير والتضليل، وأن الحق مهما طال زمنه لا يُمحى، بل يفرض نفسه على التاريخ والعالم.
ويبقى السؤال:
هل تجرؤ الولايات المتحدة الأمريكية، وهي الراعي الأكبر للكيان الصهيوني، على الاعتراف بدولة فلسطينية؟ أم ستظل أسيرة لوبيات الضغط وحسابات القوة على حساب العدالة وحقوق الشعب الفلسطيني؟ وهل يكون الاعتراف بدولة فلسطينية طوق نجاة لإسرائيل لغسل جرائمها في غزة؟
أسئلة كثيرة ما زالت بلا إجابة، لكن المؤكد أن الحقيقة لم تعد قابلة للطمس، وأن التاريخ سيكتب صفحاته من جديد.
أما مصير القدس في هذه المعادلة، فيبقى السؤال الأخطر والأعمق، إذ أن حسمه سيحدد مآل الصراع بأسره.