عماد عبدالقادر عمرو
في لحظةٍ مفصلية من مسيرة العمل العام، وقفنا أمام سؤال جوهري: كيف نخدم الناس بحق؟ لم يكن الجواب في وعودٍ تُلقى ولا في شعارات تُرفع، بل في ثلاث كلمات اختصرنا بها الطريق: انتماء، تنمية، تشاركية. تلك كانت البوصلة التي قادت خطواتنا، والنبض الذي حرّكنا منذ اليوم الأول.
آمنا أن الانتماء ليس كلمةً تُقال في المناسبات، بل فعلٌ يتجلى في الميدان، وأن التنمية لا تُقاس بعدد المشاريع، بل بأثرها على الناس، وأن التشاركية ليست توزيعًا للمهام، بل وحدة هدف، وتكامل أدوار، وتقدير عميق للآخر.
في العقبة، المدينة التي تُعانق البحر وتحتضن الأمل، اخترنا أن نفكّر خارج الصندوق، بل أن نكسر الصندوق تمامًا. أدركنا أن هذه المدينة الاستثنائية تحتاج لعقلٍ ريادي لا يكرر، بل يبتكر. فحوّلنا مجلس المحافظة من جهة تقليدية إلى مساحة ديناميكية تُحفّز المبادرة، وتفتح الأبواب للشراكة مع الجميع، وعلى رأسهم المواطن.
استلهمنا خطواتنا من توجيهات جلالة الملك عبدالله الثاني، الذي جعل من الإنسان محور التنمية، ومن المجالس المحلية أذرعًا للتغيير الحقيقي. كما أنارت رؤى سمو ولي العهد دربنا، خاصة في الاستثمار في الشباب وتمكينهم، فجعلنا من كل فرصة حقيقية نواةً لمستقبلٍ واعد.
لم تكن التحديات سهلة، ولم تكن الطريق ممهّدة، لكن كان هناك إيمان صلب بأن الشفافية، والصدق في النوايا، والعمل بروح الفريق، قادرة على أن تصنع المعجزات. رسمنا خارطة جديدة للمشاركة المجتمعية، شملت كل بيت، وكل شاب، وكل سيدة، وكل فكرة طموحة.
من خلال شراكات استراتيجية مع مؤسسات وطنية عظيمة، مثل مؤسسة ولي العهد، مؤسسة نهر الأردن، الصندوق الهاشمي، الشركة الوطنية للتشغيل والتدريب، مركز زها، مفوضية الشباب، ونادي الأمير حمزة، انطلقت برامج غير مسبوقة في الذكاء الاصطناعي، وصيانة الألياف الضوئية، وتأهيل منقذي البحار، ودورات ريادية تُحاكي سوق العمل باحترافية. كانت هذه البرامج تسير بين قرى العقبة وأطرافها قبل قلبها، لأننا أردنا تنمية لا تُفرّق بين المركز والأطراف.
لم نَغفل عن الإعلام، بل جعلناه شريكًا ومرآة، ينقل الواقع، ويعكس الشفافية، ويُظهر صورة مجلس يشتغل بصمت، لكنه يُحدث أثرًا، يعمل بعقل مؤسسي، لكنه ينبض بقلب شعبي، يُؤمن أن الناس شركاء في القرار، لا مجرد متلقين للنتائج.
وما كان لهذا الإنجاز أن يتم لولا أن الوطن ظل حارسنا، والقيادة الهاشمية ملهمتنا، والأجهزة الأمنية سياج أمننا وضمان استقرارنا. نكتب عن النجاح، ووراءه رجالٌ سهروا، وعيونٌ لم تغفل، وضمائر لم تخن. كانت بيئة الثقة والأمان التي وفّرتها مؤسسات الدولة الركيزة التي بُني عليها كل حلم.
ما تحقق في العقبة لم يكن صدفة، بل نتيجة إرادة جماعية، وعمل دؤوب، ونقاشات لا تعرف الكسل، وتجربة مؤمنة بأن الإنسان حين يُمكَّن يُبدع، وحين يُحتَرم يُخلِص، وحين يُمنَح فرصةً حقيقية، يردّها نجاحًا وانتماءً.
واليوم، وبعد انتهاء التجربة، لا نزعم الكمال، لكننا نُجزم أننا كنا صادقين. خُضنا التجربة بكل ما فيها، لم نُجامل على حساب المصلحة العامة، ولم نتردد في اتخاذ القرار الصائب، حتى إن خالف المعتاد.
هذه العقبة التي نحبها، لم تكن بحاجة إلى ميزانيات ضخمة بقدر ما احتاجت إلى عقلٍ نزيه، وأذنٍ تسمع، ويدٍ تعمل. أردناها أن تكون نموذجًا وطنيًا في الإدارة اللامركزية، فكانت كذلك. وأردنا لمجلسها أن يكون عنوانًا للمبادرة، فغدا كذلك.
إن ما أنجزناه هو حصيلةُ شراكة صادقة بين مجلس محافظة آمن برسالته، ومؤسسات وطنية آمنت بالتغيير، ومجتمع محلي رفض التهميش وسعى للنهوض، وإعلام حرٍ نقل الصورة بأمانة، وقيادة سامية رعت، وأجهزة أمنية حفظت المسار.
وختامًا، لا شيء يُلهمك أكثر من أن تخدم وطنك بإخلاص. لا حافز أعظم من حب الوطن، ولا طاقة تفوق طاقة من يعمل وفي قلبه الأردن، وفي عقله فكر القائد، وفي وجدانه تقدير لجنود هذا البلد من كل موقع.