قطاع العقارات.. خطوات محسوبة نحو التعافي المستدام

نبض البلد -

 

غوشة: انتعاش بسوق الإسكان وسط إصلاحات وتشريعات جديدة

عايش: المؤشرات العقارية ترسم ملامح مرحلة جديدة من النمو

الأنباط – مريم البطوش

يشهد السوق العقاري الأردني في عام 2025 موجة انتعاش، تؤشر أن القطاع يسير بخطى بطيئة ولكن ثابتة نحو التعافي بعد سنوات من التباطؤ، مدفوعًا بزيادة ملحوظة في الطلب الحقيقي على الوحدات السكنية والتجارية، وتنامي الثقة الاستثمارية، إلى جانب حزم تحفيزية وتشريعات إصلاحية أطلقتها الحكومة، ما جعل القطاع العقاري اليوم أحد أبرز محركات الاقتصاد الوطني.

البيانات الرسمية وتقارير الخبراء ترسم صورة واضحة لواقع السوق، إذ ارتفعت أحجام التداول، وزادت مبيعات الشقق، وتضاعفت المساحات المرخصة، ضمن بيئة استثمارية آخذة في النضوج.

هذه المؤشرات لا تعكس فقط نشاطًا عمرانيًا، بل تكشف عن ديناميكية اقتصادية متكاملة، تتقاطع فيها خطط الدولة مع توجهات المستثمرين، لتشكيل خريطة عمرانية جديدة تعيد رسم ملامح المدن وتفتح آفاقًا واسعة للنمو في السنوات المقبلة.

 

النشاط السكني بالصدارة

 

في هذا السياق، أكد رئيس جمعية المستثمرين في قطاع الإسكان الأردني، ماجد غوشة، أن ارتفاع عدد رخص البناء والمساحات المرخصة خلال الأشهر الخمسة الأولى من 2025 يُعد مؤشرًا واضحًا على انتعاش النشاط العمراني وزيادة الطلب على العقارات.

وذكر أن عدد الرخص بلغ نحو 9,600 رخصة بزيادة 10%، فيما ارتفعت المساحات المرخصة إلى 3.983 مليون م² بنسبة نمو 20.6%، منها المساحات السكنية التي زادت بنحو 12.6%.

وأشار غوشة إلى أن هذا النمو يعكس استمرار الطلب على السكن، خاصة مع تكوّن نحو 55 ألف أسرة جديدة سنويًا، مدعومًا بحزم تحفيزية في عامي 2024 و2025، شملت إعفاءات أو تخفيضات على رسوم التسجيل والمسقفات، ومبادرات تمويلية من البنوك ساعدت المواطنين على امتلاك الشقق ضمن قدراتهم.

كما أوضح أن تعديلات نظام الأبنية والتنظيم ساهمت في تسهيل إجراءات الترخيص وتقليل الأعباء على المستثمرين، مع استمرار هيمنة النشاط السكني الذي يشكل نحو 75% من إجمالي المساحات، مقابل 25% للقطاع غير السكني.

ولفت إلى وجود تحديات لا تزال قائمة، مثل تعدد الجهات الناظمة، وارتفاع العبء الضريبي الذي قد يصل إلى 30% من كلفة المسكن، إلى جانب أسعار الأراضي ومدخلات البناء، ونقص العمالة الماهرة، مشيرًا إلى تركّز النشاط في إقليم الوسط وخاصة عمّان.

ودعا إلى اعتماد سياسات تحفيزية أكثر شمولًا توزّع التنمية بشكل أوسع، مع التركيز على استمرار الإصلاح التشريعي، وتوسيع الحوافز عبر توفير أراضٍ بأسعار تشجيعية، وتقديم تمويل ميسر للوحدات الصغيرة والمتوسطة، وتطوير نماذج إسكان تناسب ذوي الدخل المتوسط والمحدود، بما ينسجم مع أهداف الرؤية الاقتصادية.

 

سوق نشط بعيدًا عن الفقاعة

 

من جهته، أكد الخبير الاقتصادي حسام عايش أن بيانات النصف الأول من 2025 تعكس نشاطًا فعليًا في السوق العقاري الأردني، بعيدًا عن الركود أو مؤشرات الفقاعة.

وأشار إلى أن حجم التداول ارتفع بنسبة 4% ليبلغ 3.132 مليار دينار، وبلغ عدد العقارات المباعة 55,552 عقارًا، فيما زادت مبيعات الشقق بنسبة 6%، وارتفعت إيرادات دائرة الأراضي بنسبة 9%، وقفزت خلال شهر حزيران وحده بنسبة 29%، ما يدل على وجود عمليات بيع وشراء حقيقية، وليست فقط رخص بناء.

وبيّن أن الزيادة في رخص البناء ليست عشوائية، بل تأتي استجابة مباشرة لزيادة الطلب، وتعكس ثقة المستثمرين بالسوق، خاصة في ظل التسهيلات الحكومية التي شملت تخفيض الرسوم والضرائب على الشقق الصغيرة، وخفض أسعار الفائدة على القروض السكنية، وتبسيط إجراءات الترخيص والتمويل.

وأكد أن هذه التسهيلات دفعت العديد من المستثمرين إلى التوسع في مشاريع البناء السكني والتجاري، ما انعكس على نمو الطلب في السوق.

 

قطاع العقار محرك للنمو

 

وشدد عايش على أن زيادة البناء لا تعني فقط نمواً في القطاع العقاري، بل تسهم في تحفيز الاقتصاد الوطني، عبر ضخ سيولة جديدة، وزيادة الإيرادات الحكومية، وتنشيط قطاعات مرتبطة مثل الأثاث والصيانة والخدمات اللوجستية، بما يرفع الطلب الكلي ويدفع عجلة النمو.

وأشار إلى أن المؤشرات الحالية لا تدل على وجود فقاعة، إذ لم تُسجل قفزات سعرية غير مبررة، أو تكدس كبير في المعروض، مع بقاء الطلب قوياً واستقرار أسعار الفائدة، وهو ما يحول دون حدوث انخفاضات واسعة، باستثناء انخفاضات جزئية في مناطق معينة.

وتوقع أن يؤدي ارتفاع المعروض من الشقق إلى تراجع محدود في الأسعار ببعض المناطق ذات المشاريع الكثيفة، لكنه استبعد حدوث انخفاض عام، بسبب ارتفاع تكاليف البناء عالميًا، مرجحًا أن تميل الأسعار للاستقرار أو الارتفاع الطفيف.

وبالنسبة لبقية عام 2025، توقع استمرار نمو رخص البناء بوتيرة أبطأ، وزيادة مبيعات العقارات بنسبة 3–5%، مع نمو طفيف في الأسعار ببعض المناطق، وزيادة في الإيرادات الحكومية نتيجة تنفيذ المشاريع السابقة.

 

ولم يستبعد عايش تأثر السوق بالعوامل الإقليمية والدولية، مثل الحرب الإسرائيلية على غزة، واحتمالات التصعيد بين إسرائيل وإيران، إلى جانب التغيرات في الرسوم الجمركية العالمية، مشيرًا إلى أن هذه العوامل قد تُبطئ النشاط العقاري لكنها لن توقفه في ظل وجود طلب فعلي.

وختم عايش بالتأكيد على أن عام 2025 سيكون عامًا انتقاليًا بين التعافي واستعادة التوازن في السوق العقاري الأردني، مشيرًا إلى أن 2026 قد يشهد إعادة ترتيب أولويات المطورين العقاريين، سواء في نوعية المشاريع أو مواقعها، مؤكدًا أن النشاط الحالي مدفوع بطلب حقيقي يعزز متانة السوق وقدرته على مواصلة النمو التدريجي في الفترة المقبلة.