نبض البلد -
أبو ناصر: قرارات الرسوم خلقت إرباكًا أثّر على حركة التخليص
عايش: تقرير النصف الأول لا يكفي لفهم الصورة الكاملة للسوق
الحياري: السياسات المتغيرة أضعفت ثقة المواطنين بالسوق المحلية
الأنباط – عمر الخطيب
في قلب كل أزمة اقتصادية، تقف قرارات حكومية يجب أن تُقرأ بعناية، لكن ما نشهده في سوق السيارات الأردني يشي بحالة من الفوضى التنظيمية وغياب الرؤية، وكأن "يدًا مرتعشة تكتب على جدار اقتصاد هش"، مخلفة وراءها تشوّهات واضحة تقوّض ثقة المستثمرين والمستهلكين على حد سواء.
ما يجري ليس مجرد أخطاء في السياسات، بل انزلاق متسارع نحو "الارتجال المؤسسي"، بحسب خبراء، حيث تتخذ قرارات متناقضة تتأرجح بين الرفع والتخفيض والضرائب التصاعدية، دون رؤية شاملة أو خطة اقتصادية محكمة.
قرارات يبدو أنها تزيد الأزمة عمقًا بدل أن تسهم في حلها، مشكّلة جدارًا من الالتباسات والتعقيدات، أشبه برقصة على حافة حفرة اقتصادية دون شبكة أمان.
النتائج كانت مدمرة لمسار التحول نحو الاقتصاد الأخضر؛ فقد تراجعت التخليصات على السيارات الكهربائية بنسبة 17%، بينما لم تُظهر سيارات الهايبرد سوى نموًا محدودًا لا يسد الفجوة المتزايدة، ما يعكس اختلالًا في الأولويات وضبابية في إدارة الملف.
وفي كل زاوية من هذا المشهد، تتجلى ملامح إدارة اقتصادية عشوائية تُدخل السوق في دوامة من الارتباك وتدفع بالمواطن إلى المخاطرة بأمواله في بيئة تتأرجح بين قرارات غير مفهومة ووعود متكسّرة. ويبقى السؤال: هل نحن أمام أزمة حوكمة حقيقية؟ أم أن هذا هو المسار المعتاد لحكومات تعاني من "شلل إداري" ومماطلة تُثقل كاهل الاقتصاد الوطني وتكبح فرص تعافيه؟
وبحسب بيانٍ لهيئة مستثمري المناطق الحرة، فقد تراجعت التخليصات على المركبات في الأردن بنسبة 9% خلال النصف الأول من 2025، مع انخفاض الكهربائية بنسبة 17% والديزل 31%، مقابل ارتفاع "الهايبرد" بنسبة 31% والبنزين بنسبة 3%.
أثر مباشر للقرارات الحكومية على التخليص
وفي السياق، أوضح ممثل قطاع المركبات في هيئة مستثمري المناطق الحرة، جهاد أبو ناصر، أن تراجع التخليص على المركبات بنسبة 9% خلال النصف الأول من العام، يعود إلى سلسلة من القرارات الحكومية التي أثرت مباشرة على سوق السيارات الكهربائية.
وأشار إلى أن حكومة الدكتور بشر الخصاونة قامت بتعديل نسب الرسوم على هذه المركبات في 12 أيلول، قبل أن تُخفض حكومة الدكتور جعفر حسان تلك النسب بنسبة 50% في 22 تشرين الثاني، ثم أُصدر قرار جديد بتاريخ 31 كانون الأول بفرض رسوم تصاعدية على السيارات التي تتجاوز قيمتها 10 آلاف دينار.
وقال أبو ناصر إن نحو 75% من السيارات الكهربائية المستوردة كانت تقع ضمن هذه الفئة السعرية، ما أدى إلى ارتفاع أسعارها بين 4,000 و5,000 دينار، وبالتالي تراجع الإقبال عليها. ولفت إلى أن السوق بدأ يتجه نحو السيارات الكهربائية الأقل من 10 آلاف دينار، إلا أن استيرادها واستقرارها في السوق استغرق وقتًا، ما تسبب بتراجع التخليص في الأشهر الأولى، قبل أن يتحسن تدريجيًا، حيث تم تخليص نحو 5,000 مركبة في حزيران. ورغم أن هذه الفئة ما تزال تستحوذ على 60–70% من السوق، فإن الانخفاض في أعدادها شكّل السبب الرئيسي لتراجع التخليص الكلي.
وفيما يخص مركبات "الهايبرد"، بيّن أبو ناصر أن نسبة التخليص ارتفعت بنسبة 30%، إلا أن أعدادها ما تزال محدودة بواقع 300 مركبة شهريًا، تمثل فقط 15% من إجمالي السوق، ما يجعل تأثيرها الكلي محدودًا، مشيرًا إلى أن تعليمات جديدة صدرت نهاية حزيران قد تؤثر على أداء السوق في النصف الثاني، إلى جانب قرارات مرتقبة مطلع العام المقبل تتعلق بالمواصفات الفنية وأنواع المركبات المسموح بها.
السيارات الصينية تُنعش الهايبرد.. والكهربائية تتراجع
من جانبه، قال التاجر في المنطقة الحرة حمزة الحياري، إن الارتفاع في عدد مركبات "الهايبرد" المُخلّص عليها بنسبة 31%، يُعزى إلى دخول طرازات صينية هجينة بأسعار منافسة، مثل "BYD Destroyer" و"Jin Hai Hybrid"، التي تراوحت أسعارها بين 10,000 و14,500 دينار، ما حفّز الإقبال عليها سريعًا. وأضاف أن تخفيض الرسوم الجمركية على بعض هذه الطرازات بمبالغ وصلت إلى 4,000 دينار عزز من هذا الاتجاه.
وحول تراجع التخليص على السيارات الكهربائية بنسبة 17%، أرجع الحياري السبب إلى "التذبذب في السياسات الحكومية والتخبط في آلية تسويق قرارات التخفيض الجمركي"، مشيرًا إلى أن حالة من العزوف الشعبي بدأت بالظهور نتيجة غياب الثقة بالاستقرار التشريعي، خصوصًا أن السيارات الكهربائية الأقل من 10 آلاف دينار ارتفعت رسومها، في حين لم تستفد الفئات المتوسطة من التخفيضات، الأمر الذي أبقى الأثر الإيجابي محصورًا في السيارات مرتفعة الثمن، والتي لا تناسب غالبية المستهلكين.
السوق يعيش مرحلتين مختلفتين
من الجانب الاقتصادي، رأى الخبير حسام عايش أن تقرير النصف الأول من 2025 يُظهر انعكاسات قرارات حكومتي الخصاونة وحسان قبل دخول التعديلات الضريبية الجديدة حيز التنفيذ نهاية حزيران، معتبرًا أن الحكم على الصورة الكاملة يتطلب انتظار بيانات النصف الثاني.
وأوضح عايش أن قرار رفع الضرائب على السيارات الكهربائية التي تتجاوز قيمتها 10 آلاف دينار، من 10% إلى 27%، ساهم في تراجع ملموس، إذ انخفض إجمالي المركبات المخلّص عليها من 34 ألفًا إلى أقل من 31 ألفًا، فيما تراجعت الكهربائية وحدها بنسبة 17%. وبيّن أن هذه الأرقام تعكس حالة تردد لدى من كانوا ينوون شراء سيارات بقيمة 11 أو 12 ألف دينار.
الهايبرد بديل واقعي والديزل يتراجع
وفي ظل الحيرة بين السيارات الكهربائية والبنزين، أكد عايش أن كثيرًا من المستهلكين اتجهوا نحو السيارات الهجينة كحل وسط، ما أدى إلى ارتفاع التخليص عليها بنسبة 31%، من 5,200 إلى نحو 7,600 مركبة. وأضاف أن الطلب على سيارات الديزل تراجع بنسبة مماثلة، من 3,400 إلى 2,400 مركبة، بفعل التحولات البيئية والتشريعية، في حين استقرت سيارات البنزين مع زيادة طفيفة لم تتجاوز 70 مركبة.
نمو في التصدير.. وركود في السوق المحلي
ولفت عايش إلى أن حركة التصدير من المناطق الحرة ارتفعت من نحو 23,800 مركبة إلى نحو 39,600 مركبة، ما يعكس تحولًا نحو الأسواق الخارجية، لا سيما السورية والعراقية، على حساب السوق المحلي. وأشار إلى أن نحو ثلثي حركة المركبات أصبحت موجهة نحو هذه الأسواق، في دلالة على أن المناطق الحرة بدأت تلعب دورًا إقليميًا أكثر منه محليًا
تفاؤل مشروط في النصف الثاني
وفي ختام حديثه، توقع عايش تحسنًا نسبيًا في النصف الثاني من العام، مع بدء تطبيق تعليمات جديدة تنظم أنواع السيارات ومواصفاتها.
ورجّح أن تتوزع السوق بين سيارات بمواصفات آسيوية (كورية وصينية) وأخرى أوروبية وخليجية وأميركية، إلى جانب استقرار أكبر في الطلب على سيارات البنزين، ونمو تدريجي للسيارات الهجينة، مع احتمال تحسن جزئي في مبيعات السيارات الكهربائية منخفضة الكلفة، رغم استمرار التحديات الضريبية.