نبض البلد - دائما عندما نريد التحدث عن أي حدث سياحي، اقتصادي، فإننا نتحدث بلغة الأرقام، فهي الأساس في عملية التقييم، فالمشروع يقاس بالأرباح أو الخسائر، لكن لكل قاعدة استثناء، واليوم لدي استثناءان وليس واحد، مهرجان ليالي المحرق، و "ريترو المنامة”!
لمن يعرفني جيدا، يعلم بأنني أحبذ الجلوس في البيت وأشاهد الأفلام أو أطالع الكتب، أو أستثمر وقتي في إنجاز بعض المهام في عملي الذي أحب، وقد تجد صعوبة في إخراجي من هذه الحالة، خصوصا أنني تجاوزت الثلاثين وهو السن الذي يصبح فيه الإنسان يفضل الجلوس في منزله على الخروج، على كل فنحن لسنا بصدد الحديث عني أو عن جيل التسعينات التائه!
أمس على غير العادة، أصابني الفضول الصحفي "الجنوني” لمعرفة ما هو "ريترو المنامة” وماهية مهرجان ليالي المحرق، فذهبت من مكان عملي في "دار البلاد الإعلامية” المتواجدة في مدينة زايد، بداية إلى "ريترو المنامة”، واصطففت بـ "الباركات” الخارجية، وهذا يدل على بنية تحتية مميزة، ثم اتجهت لباب البحرين، وبحسب المعلومات التي وجدتها فهو مبنى تاريخي يقع في ساحة الجمارك في الحي التجاري المركزي السابق في المنامة عاصمة البحرين، ويمثل المدخل الرئيسي إلى سوق المنامة، وصممه السير تشارلز بلجريف مستشار الأمير في حينها، واكتمل في العام 1949 حيث كان باب البحرين على مقربة من حافة المياه، ونظرا لاستصلاح أراض واسعة في السنوات الأخيرة فإن البحر ابتعد بضعة كيلومترات إلى الشمال.
وهذه ليست المرة الأولى التي أزور فيها هذا المكان التاريخي الرائع، لكنها كانت مغايرة فحلة المكان تغيرت وأعادتنا لـ "زمن الطيبين”، وهذه اللفتة ليست بعيدة عن الشعب البحريني الذي أراه من أطيب الشعوب التي قابلتها في حياتي إن لم يكن أطيبها، فوجدت اكتظاظا في المكان من شتى المنابت والأصول، من البحرين والخليج العربي وأجانب من أقطاب الأرض، حركة السوق منتعشة، الباعة فرحين بهذا الحدث، وكأنهم عادوا لتلك الحقبة الزمنية بالأجواء التي حرصت هيئة السياحة على نجاحها، ونجحت بشكل مثير للغاية!
بعدما أنهيت زيارتي الشيقة لـ "ريترو المنامة”، اتجهت صوب مهرجان ليالي المحرق حتى لا أكون منحازا للمنامة على حساب المحرق وأكون عرضة للإحراج من أصدقائي المحرقيين، وما أجملها من زيارة وودت لو ذهبت مسبقا مرة ومرتين وثلاثا، علما بأنني زرت هذا المعلم التاريخي مسبقا في مهمة صحفية خاطفة، لكنني لم أتفحص المكان على الرغم من غرابته ومعماريته الفاتنة، كيف لا فهو ما ضم في أكنافه أحياء تراثية، والبيوتات البحرينية العريقة.
لكن ما ميز هذا المهرجان الذي نجحت هيئة البحرين للثقافة والآثار بتنظيمه نجاحا مبهرا، هو ذاته ما ميز "ريترو المنامة” الزحمة المستحبة، التي تملأ المكان بهجة وفرحا، "ليالي المحرق” جمع العائلات والأصدقاء والأحبة، في بقعة جغرافية قد تكون صغيرة لكنها كالبحرين قلبها الحنون يتسع للجميع بكل سعادة وترحاب، ولا أخفي عليكم استمتعت بعزف الفرق التراثية البحرينية، وأنا صعب المراس في أذني الموسيقية التي لم تتلوث كثيرا، فأنا مستمع مميز لفنان العرب أبو نورة شافاه الله وعافاه.
وعند تجوالك في "مسار اللؤلؤ” والدخول للبيوتات العائلية البحرينية العريقة، يتبادر في ذهنك كيف كان يعيش هؤلاء الجبابرة في ظل الأجواء التي تشهدها البحرين خصوصا في فصل الصيف ورطوبته المقيتة، لتجد الإجابة في هذا البيت النبطي للشاعر الكويتي صلاح العرجاني "لو البشر ما هي تحب الأصاعيب ما كان عاشت فالجزيره قبايل” من قصيدته "ما نجهل الدنيا”!
في نهاية زيارتي للمكانين العجيبين، استنتجت شيئا واحدا لا غير، كلاهما يمتلكان هدفا واحدا؛ خدمة مملكة البحرين سياحيا وثقافيا واقتصاديا، لذلك لو قلبنا العناوين وجعلنا "ليالي المحرق” تتحول لـ "ليالي المنامة”، و "ريترو المنامة” لـ "ريترو المحرق”، فلن يتغير شيء؛ لأنهما ينبضان باسم البحرين وهو الأهم.
في الختام، لا أعتقد أن هناك اثنين عاشا في هذه الأرض الطيبة بوجدانها، والكبيرة في عطائها؛ البحرين الحبيبة، إلا وأحباها دون إدراك لذلك، وفي البحرين ما أسرع أن تكون بحرينيا محبا طيبا مقداما طموحا وشامخا كشموخ حكامها، وطيبا كشعبها الكريم المعطاء.