نبض البلد - العالم يستكشف الفضاء في عام 2024
د. أيوب أبودية
من الأحداث البارزة خلال عام 2024، إحراز العالم تقدمًا كبيرًا في مجال الاستكشافات الفضائية، بفعل العديد من البعثات الجديدة والتقنيات امبتكرة التي ستمهد الطريق لفهم أعمق للكون ولإعداد البنية التحتية لاستكشاف الفضاء بشكل أوسع. ومنها عودة الإنسان إلى القمر. يعود هذا التقدم إلى تعاون عالمي متزايد بين وكالات الفضاء الكبرى، بما في ذلك ناسا، وكالة الفضاء الأوروبية (ESA)، ووكالات الفضاء الصينية والروسية، إلى جانب مشاركة شركات الفضاء الخاصة مثل سبيس إكس وبلو أوريجين.
وصل مسبار "باركر" التابع لوكالة الفضاء الأمريكية (ناسا) عشية عيد الميلاد، إلى أقرب مسافة له من الشمس حيث كان على بعد 6,2 ملايين كيلومتر من هذا النجم. وأطلق مسبار "باركر" في آب/أغسطس 2018 في مهمة مدتها سبع سنوات لدراسة الغلاف الجوي للشمس وتعزيز المعارف العلمية الخاصة بالعواصف الشمسية وتأثيرها على الاتصالات الأرضية. ومن المتوقع أن يبدأ المسبار في إرسال البيانات العلمية في الأسابيع القادمة.
من أبرز الأحداث في عام 2024 كان عودة الإنسان إلى القمر عبر برنامج "أرتميس 2"، الذي يُعد خطوة حاسمة نحو إنشاء قاعدة دائمة على القمر في المستقبل. تتضمن هذه المهمة رحلة مأهولة حول القمر، حيث سيتم اختبار تقنيات جديدة لتأمين سفر الإنسان في الفضاء العميق، استعدادًا للبعثات القادمة نحو المريخ. يسعى برنامج أرتميس ليس فقط إلى إعادة الإنسان إلى القمر، ولكن أيضًا إلى وضع الأساس لإنشاء بنية تحتية فضائية تدعم استكشاف الفضاء العميق. المهمات القادمة من هذا البرنامج تهدف إلى وضع أول امرأة على سطح القمر، مما يعكس التنوع والشمولية في استكشاف الفضاء.
فيما يتعلق بالمريخ، أطلقت وكالة الفضاء الأوروبية مهمة ExoMars التي تهدف إلى دراسة سطح الكوكب الأحمر والبحث عن علامات للحياة، سواء في الماضي أو في الظروف الحالية. تركز المهمة على فهم المزيد عن البيئة المريخية والظروف التي قد تؤوي حياة ميكروبية، وهو أحد الأهداف الكبرى في استكشاف المريخ. بالتوازي مع ذلك، تواصل ناسا مهمتها "بيرسيفيرانس"، التي بدأت في 2021، لاستكشاف المريخ وجمع العينات من التربة استعدادًا لإعادتها إلى الأرض في السنوات القادمة. هذه العينات ستوفر معلومات غنية عن تاريخ المريخ، سواء من حيث تطور الحياة أو من حيث تكوينه الجيولوجي.
كما يُعد مسبار جيمس ويب الفضائي أحد أبرز الابتكارات في مجال الفضاء في عام 2024. وهو يستمر في مهمته لاستكشاف النجوم والمجرات البعيدة، مع توقع اكتشافات جديدة تتعلق بتكوين الكون المبكر. جيمس ويب، الذي أُطلق في 2021، يستخدم تكنولوجيا حديثة لفحص المجرات التي تكونت في بدايات الكون، وهو جزء أساسي من فهمنا لكيفية تطور النجوم والكواكب والمجرات. من المتوقع أن يكشف المسبار عن معلومات هامة حول تكوين الكواكب الخارجية واكتشاف العديد من الكواكب التي قد تكون قابلة للحياة.
في إطار استكشاف الأقمار التابعة للكواكب العملاقة مثل "أوروبا" (قمر كوكب المشتري) و"تيتان" (قمر كوكب زحل)، هناك اهتمام متزايد لأنها قد تحتوي على محيطات تحت السطح قد تضم حياة ميكروبية. ففي عام 2024، انطلقت مهمة Europa Clipper التابعة لناسا لدراسة القمر أوروبا بشكل مكثف. هذه المهمة تهدف إلى جمع معلومات حول المحيطات تحت السطحية والمكونات الكيميائية التي قد تساهم في دعم الحياة. كما تعتبر مهمة تيتان الخاصة بوكالة الفضاء الأوروبية جزءًا من هذا الاستكشاف، حيث يُعتقد أن تيتان يحتوي على بحيرات من الميثان والبحار السائلة، ما قد يفتح الأفق لفهم الحياة في بيئات غير أرضية.
من بين النجاحات الكبرى في استكشاف الفضاء في 2024، كانت مهمة Psyche التابعة لناسا، التي تهدف إلى زيارة كويكب يحمل نفس الاسم. يُعتقد أن هذا الكويكب عبارة عن نواة كوكب بدائي غني بالمعادن، وهو مهم لفهم كيفية تكوين الكواكب وتطورها. في هذه المهمة، سيتوجه المسبار إلى الكويكب لتدقيق تركيبه المعدني، مما قد يوفر معلومات حول تكوين الكواكب الداخلية وتكوين النظام الشمسي في مراحله الأولى.
واصلت شركات الفضاء الخاصة مثل "سبيس إكس" و"بلو أوريجين" في 2024 دفع حدود الاستكشاف الفضائي. سبيس إكس، بقيادة إيلون ماسك، خططت لإطلاق بعثات مأهولة إلى القمر واختبار تقنيات السفر إلى المريخ، في إطار برنامج "ستارشيب". يعد برنامج ستارشيب من المشاريع المبتكرة التي تهدف إلى جعل السفر إلى المريخ أمرًا ممكنًا وعمليًا في المستقبل. كما تُخطط سبيس إكس لتوسيع نظام ستارلينك، الذي يهدف إلى توفير الإنترنت عبر الأقمار الصناعية في جميع أنحاء العالم، وخاصة في المناطق النائية.
وبالإضافة إلى المحطة الفضائية الدولية ISS، توسعت الصين في مجال استكشاف الفضاء في 2024 من خلال تطوير محطات فضائية تجارية، واستكمال محطتها الفضائية "تيانجونغ". التوسع في المحطات الفضائية سيتيح المزيد من الفرص لإجراء أبحاث علمية وتجارب في الجاذبية الصغرى، مما يعزز الابتكارات في مجالات مثل الطب والفيزياء. هذا التوسع يعكس تطور الصين في مجال الفضاء وإمكانياتها المتزايدة في استكشاف الفضاء العميق.
واجه العالم تحديات اقتصادية متزايدة مع استمرار تداعيات التضخم في كثير من الدول، إلى جانب الأزمات المالية المحتملة في بعض الاقتصادات الكبرى. واستمر الصراع في أوكرانيا خلال 2024، وفي فلسطين وسوريا واليمن، وسيكون لهذا تأثير كبير على العلاقات الدولية، الاقتصاد، وأسعار الطاقة. ومع استمرار الاهتمام العالمي بالتغير المناخي مع زيادة الكوارث الطبيعية مثل الحرائق والفيضانات والأعاصير، والحروب، قد تتزايد المطالب باتخاذ إجراءات جذرية لمكافحة التغير المناخي. ورغم الحروب المشتعلة حول العالم، والتغيرات الخطيرة في المناخ، فإن العالم وضع استثمارات عظيمة لاستكشاف الفضاء! فهل توصل العلماء إلى قناعة بأن الوضع المناخي في الأرض يتجه نحو الدمار الذاتي، ولذلك باتوا يبحثون عن مكان آخر في الكون لتدميره؟
قد يكون هذا الرأي متطرفا وبعيدا عن الواقع، حيث أن معظم العلماء يركزون على استكشاف الفضاء لأغراض علمية وتكنولوجية، وليس للهروب من مشكلات الأرض. إذ يسعى العلماء بدلاً من ذلك إلى فهم الكون بشكل أفضل، وتنمية تقنيات جديدة يمكن أن تساعد في حل المشكلات البيئية على كوكب الأرض. ورغم التحديات الاقتصادية والاجتماعية، فإن التقدم الكبير في مجال استكشاف الفضاء خلال 2024 يعكس طموح البشرية في سبر أغوار الكون، والتوسع في المعرفة العلمية والتكنولوجية. إذ إن الاكتشافات الفضائية الأخيرة، سواء كانت في استكشاف الكواكب أو الأقمار، تقدم لنا أدوات جديدة لفهم الكون بشكل أعمق ونأمل أن تساعد في تحسين حياتنا على الأرض.