صناعة الفيلم والحراك السينمائي الأردني.. أفلام تطفو على سطح العالمية

نبض البلد -
لم يعد غريباً حصول أحد الأفلام الأردنية أو صناعه على جائزة في أي مهرجان دولي، فصناعة الفيلم والسينما الأردنية شهدت في ‏السنوات القليلة الماضية حراكاً فنياً مهما، وكرست حضورا لافتا لها على خارطة المهرجانات العربية والعالمية، والأهم أنها صارت ‏تنافس وتفوز بجوائز، مثلما تزاحم الأعمال العربية في شباك التذاكر بعرضها تجاريا في دور السينما المحلية والعربية‎. 
وعلى امتداد السنوات الثلاث الأخيرة، حظيت أفلام مثل "بنات عبد الرحمن"، و"فرحة"، و"الحارة"، و"بيت سلمى"، باهتمام ‏سينمائي عربي ودولي على صعيد المهرجانات، وأسهمت النقلة النوعية للمؤثرات البصرية وجودة التصوير وتوظيف مواقعه ‏بفنيات عالية تتماشى مع سياق حكاية الفيلم، وموضوعات القصة، علاوة على الأداء التمثيلي، في تقدم صناعة الفيلم الأردني ‏بخطوات واعدة لترسيخ حضوره عربيا ودوليا، ولم يعد ينظر إلى الإنجاز الكبير الذي حققه فيلم "ذيب" لمخرجه ناجي أبو نوار ‏بالوصول إلى المرحلة النهائية (اللائحة القصيرة) للتنافس على جائزة أوسكار لفئة أفضل فيلم أجنبي غير ناطق بالإنجليزية عام ‏‏2016، باعتباره طفرة لا تتكرر‎. 
فحصد فيلم "بنات عبد الرحمن" لمخرجه زيد أبو حمدان جائزة الجمهور في "مهرجان القاهرة السينمائي" عام 2021، وحصل ‏فيلم "الحارة" لمخرجه باسل غندور على ذات الجائزة في "مهرجان مالمو للسينما العربية" عام 2022، وكذلك فيلم "بيت سلمى" ‏لمخرجته هنادي عليان في "مهرجان أوستن للأفلام" عام 2022، وهي الأفلام التي عرضت تجارياً في دور السينما الأردنية ‏والعربية والأميركية تالياً، فيما نال فيلم "فرحة" لمخرجته دارين سلام جائزة أفضل فيلم طويل شبابي في "جوائز الاوسكار الآسيوية‎ ‎APSA" ‎عام 2022‏‎. 
يؤرخ الناقد السينمائي الأردني ناجح حسن للسينما الأردنية، في حديثه لوكالة الأنباء الأردنية (بترا)، بأن أولى محاولات السينما ‏الأردنية الجادة، كانت عام 1958 بفيلم "صراع في جرش"، وفيلم "حكاية شرقية" عام 1991، إلا انه يستدرك بقوله "بين تلك ‏التجربتين وما تلاهما، ظلت المحاولات لإنتاج فيلم أردني بمفهوم السينما التجارية خجولة، وبقيت أسيرة العروض المحلية القليلة ‏والمشاركة في المهرجانات، بينما بقيت الأفلام التسجيلية والوثائقية هي التي تطبع تجربة السينما الأردنية عموماً‎". 
ويبين الناقد السينمائي حسن أن الفترة التي سبقت وصول فيلم "ذيب" للتنافس في جوائز الأوسكار، مهدت للحراك السينمائي ‏الأردني من خلال عدة أفلام أسهمت بوضع مداميك وأساسات للسينما الأردنية، من خلال أفلام: "كابتن أبو رائد" لمخرجه أمين ‏مطالقة (2007)، و"إعادة خلق" (2007)، و"الشاطر حسن" (2009) لمخرجهما محمود مساد و"الجمعة الأخيرة" لمخرجه ‏يحيى العبد الله‎ (2011). 
ويتابع "تلك التجارب السابقة وغيرها، كانت أساسية للوصول إلى تجربة إنتاج أردنية ناضجة من خلال فيلم "ذيب"، بعد أن ‏استوعبت الساحة السينمائية الأردنية وجود حركة نشطة تقودها الهيئة الملكية الأردنية للأفلام من خلال صندوق دعم الأفلام، إضافة ‏للدور الذي تقوم به بعض الجهات المنتجة على قلتها‎". 
ويؤكد أن السينما الأردنية ما زالت بحاجة لوجود صناعة سينمائية راسخة، من خلال خلق بنية تحتية سينمائية لصناعة الأفلام، مثل ‏الاستديوهات والطاقات الابداعية والتعليمية، التي يمكن أن ترفد الساحة الفنية بأنواع جديدة من الإبداع السينمائي‎. 
الناقدة السينمائية رانية عقلة حداد التي ترى أن فترة جائحة كورونا عادت على السينما الأردنية بمخرجات إيجابية، إذ زاد فيها معدل ‏صناعة الأفلام سنوياً إلى ثلاثة أفلام، بعد أن بقيت طيلة 16 عاماً يتراوح إنتاجها بين فيلم أو اثنين على الأكثر، انطلاقاً من عام ‏‏2007 الذي شهد ولادة فيلم "كابتن أبو رائد"، توضح أن فترة جائحة كورونا أسهمت بجعل صناع الأفلام والفنيين يشتغلون على ‏تطوير أدواتهم الفنية والتقنية، علاوة على أن مساحات الفراغ التي نتجت عن حظر التجول، وفرت للمخرجين فضاءات لتطوير ‏أفلامهم المصورة مسبقا من خلال استخدام تقنيات رقمية متطورة تدربوا عليها ونفذوها في الأفلام التي أنجزوها في تلك الفترة‎. 
وترجع الناقدة السينمائية حداد في حديثها لـ (بترا)، أسباب الطفرة الإنتاجية السينمائية في الأردن، إلى ثورة "الديجتال" التي ‏سهلت على الكثيرين من صناع الأفلام الأردنيين العمل ضمن أجواء إنتاجية تقترب من نوعية الأفلام التي تقدمها الدول الأخرى، ‏وأسهمت بتقليص تكاليف ميزانية صناعة الأفلام، بعد أن أصبحت الكاميرات وبرامج المونتاج متاحة بأسعار مقبولة‎. 
وتنوه بالدور الذي لعبته الهيئة الملكية الأردنية للأفلام، في تعزيز حضور صناعة الفيلم الأردني، من خلال تدريب الكوادر الإنتاجية ‏وبناء قدراتهم في مهارات كتابة السيناريو والتصوير والمونتاج والإخراج، وتقول: "ساهم صندوق دعم الأفلام في الهيئة بإيجاد ‏فرص أكثر للمواهب السينمائية الشبابية، وعلى الرغم من ميزانيته القليلة التي تبلغ ربع مليون دينار أردني، إلا أن دوره في تأسيس ‏حراك سينمائي أردني واضح للعيان‎". 
وحداد التي تلفت إلى أن المبلغ المرصود من الصندوق قليل نسيباً، كونه لا يذهب إلى فيلم واحد، بل يتوزع على 25 مشروعاً ‏سينمائياً في العام الواحد، تبين أن "أي فيلم أردني أمامه مشوار طويل حتى يرى النور، قد يحتاج لأربع سنوات حتى يشاهده ‏الجمهور، كونه سيقف أمام صناديق دعم الأفلام العربية والعالمية للحصول على تمويل إضافي لإكمال دوره، وهو ما يبطئ من ‏تطور الحراك السينمائي الأردني‎". 
من جهته يؤشر منتج وموزع الأفلام طارق أبو لغد، إلى عدة عناصر خدمت وصول الفيلم الأردني إلى المهرجانات السينمائية ‏العالمية ودور العرض التجارية، ومنها تقبل الجمهور العالمي فكرة حضور أفلام بلغات مختلفة عما تعودوا عليه، تروي قصصاً من ‏بيئات مختلفة عنهم‎. 
ويتابع: "ساهمت جائحة كورونا في تقريب الناس من بعضهم البعض أكثر، فصار العالم أكثر انفتاحاً للإطلالة على تجارب سينمائية ‏جديدة، بحيث صار للفيلم غير التجاري والمستقل سوقا كبيرا ومفتوحا ومنصات جاهزة لعرضه‎". 
ويجد أبو لغد أن الصورة الإيجابية التي يعكسها الأردن باعتباره موطناً لتصوير مجموعة من الأفلام العالمية التي نافست على كبرى ‏جوائز المهرجانات، وبمشاركة نجوم عالميين عملوا بظروف طبيعية واحترافية، رفعت من سوية صناعة الفيلم الأردني بطريقة غير ‏مباشرة، من خلال مشاركة مجموعة كبيرة من الكوادر والأطقم الفنية الأردنية في تصوير هذه الأفلام، مما عاد على الفيلم الأردني ‏بخبرات جديدة ومتطورة‎. 
ويقول: "الظروف المواتية والنجاحات في تقديم أفلام عالمية، لاقى اهتماماً لدى الكثيرين من منتجي وموزعي الأفلام العالمية ‏للمساهمة في إنتاج أعمال أردنية، عززت حضور الفيلم المحلي وقدمته بصورة تنافس نظيره العالمي، وهو الأمر الذي وجد اهتماماً ‏من المهرجانات الكبرى التي وجدت أن الفيلم الأردني لا يختلف عن غيره من ناحية فنيات الصورة والإخراج والتقنيات المستخدمة، ‏وهي شروط أساسية لقبول عرض الأفلام‎". 
ويشير أبو لغد إلى أن زيادة الطلب على الإنتاج تنامى في السنوات القليلة الماضية، بحكم الانفتاح الحاصل رقمياً، في ظل نشوء ‏مهرجانات سينمائية جديدة وزيادة انتشار المنصات الرقمية، وهو الأمر الذي يمنح الفيلم الأردني فرصة أكبر لكي يأخذ حقه ‏بالانتشار‎. 
ويعلق المدير العام للهيئة الملكية الأردنية للأفلام، مهند البكري في حديثه لـ (بترا)، على الخطوات الواعدة والحضور المميز في ‏المحافل ومهرجانات السينما الدولية التي تشهدها صناعة الفيلم الأردني وتنامي الزخم الإنتاجي في الفترة من 2020 لغاية الآن، ‏بقوله "أن الهيئة تحتفي هذا العام بمرور عشرين عاماً على تأسيسها، وهو تاريخ قصير نسبياً، لكننا نعتز بأن الأردن أثبت خلال هذه ‏الفترة أنه ليس فقط مركزاً لتصوير الإنتاجات العالمية، بل أيضاً منبعاً للقصص والروايات التي تصل للعالم، وتعرض في أهم ‏المهرجانات السينمائية‎". 
ويضيف البكري: "في غضون السنوات الثلاث الماضية، وسعت الهيئة نطاق عملها ليشمل تطوير المحتوى التلفزيوني الأردني ‏والعربي من خلال استحداث برنامجين تدريبيين، هما: (مسلسلات وحلقات)، كما طورت حوافز مالية إضافية للمشاريع العربية ‏والأردنية، وتأمل بزيادة الميزانية السنوية لصندوق الأردن لدعم الأفلام والمرصودة للمشاريع السينمائية والتلفزيونية‎". 
ويكشف عن مشروع جديد تتبناه الهيئة، يتمثل بإنشاء ستوديوهات بمواصفات دولية على مساحة 3000 متر مربع، سيُحدث نقلة ‏نوعية للتصوير في الأردن، مشيداً بخطوة إدراج صناعة الأفلام ضمن الرؤية الوطنية الأردنية للتحديث الاقتصادي، وهو الأمر الذي ‏يعكس إدراكاً كبيراً بأهمية هذا القطاع في رفد الاقتصاد الأردني‎. 
ويشير إلى البرامج التي تدعمها الهيئة وتسهم في تطور صناعة السينما المحلية المستقلة، آخذة بعين الاعتبار جدواها الاقتصادية ‏واستمراريتها، مثل "صندوق الأردن لدعم الأفلام" الذي تم إطلاقه عام 2011، بهدف تمكين صناع الأفلام من سرد قصصهم، ‏بميزانية سنوية بقيمة ربع مليون دينار أردني‎. 
ويبين أن الصندوق يقدم الدعم إلى مختلف فئات السينما وإلى فئة تطوير المسلسلات التلفزيونية، مشيرا إلى أنه انتفع من دعم ‏الصندوق خلال الدورات السبع السابقة 137 مشروعاً، و267 من صناع الأفلام المنتجين والمخرجين والكتاب بنسبة 50 بالمئة من ‏النساء و50 بالمئة من الرجال‎. 
وينوه بأن المشاريع الحائزة على دعم الصندوق شاركت في أهم المهرجانات العربية والدولية وحصل العديد منها على جوائز قيمة، ‏وتم تمثيل الأردن في حفل توزيع جوائز الأوسكار مرتين، إضافة إلى عرض الأفلام الحائزة على الدعم تجارياً، في صالات السينما ‏الأردنية والعربية والعالمية، ومنصات العرض الرقمية كمنصتي نتفليكس وشاهد‎. 
كما يبين البكري أن دائرة بناء القدرات في الهيئة الملكية الأردنية للأفلام تدير البرامج التعليمية الوطنية التي تهدف إلى نشر ثقافة ‏الأفلام وتوعية الجمهور حول أهميتها في المملكة، وتنمية قدرات الشباب الطموحين، مثلما تقوم بتأهيل وتدريب الشباب على معظم ‏المهن السينمائية والتلفزيونية لفتح باب التوظيف والتشغيل في القطاع لتزويد الصناعة المتنامية في الأردن بالمواهب والكوادر ‏اللازمة، لاسيما خلال فرص التدريب مع المشاريع العالمية التي يتم تصويرها في مختلف أنحاء الأردن‎. 
وتستهدف البرامج التدريبية التي تعقد بمستويات مختلفة كل عام وتقدم مجانية للأردنيين والمقيمين، بحسب مدير عام الهيئة، ‏المبتدئين والمحترفين في المقر الرئيس للهيئة في عمّان (بيت الأفلام) وفي مراكز الأفلام الستة التابعة للهيئة في المملكة، وتشمل ‏العديد من جوانب صناعة الأفلام والتلفزيون، بدءا من كتابة السيناريو والإنتاج والإخراج، وصولاً إلى المجالات الفنية الأكثر تقنية ‏مثل التصوير السينمائي والصوت والمونتاج، والتي من خلالها يكتسب المشاركون مهارات نظرية وعملية في مجال صناعة ‏الأفلام، سواءً من خلال تصوير أو تطوير مشاريعهم، كما يتاح لهم فرصة التدريب في الأفلام والمسلسلات العربية والمحلية ‏والعالمية التي يتم تصويرها في الأردن‎. 
‎-- (‎بترا/فانا‎)‎